كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 21)

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، {§ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ} [الدخان: 48] " نَزَلَتْ فِي عَدُوِّ اللَّهِ أَبِي جَهْلٍ لَقِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخَذَهُ فَهَزَّهُ، ثُمَّ قَالَ: أَوْلَى لَكَ يَا أَبَا جَهْلٍ فَأَوْلَى، ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى، ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: أَيُوعِدُنِي مُحَمَّدٌ، وَاللَّهِ لَأَنَا أَعَزُّ مَنْ مَشَى بَيْنَ جَبَلَيْهَا " وَفِيهِ نَزَلَتْ {وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: 24] وَفِيهِ نَزَلَتْ {كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: 19] وَقَالَ قَتَادَةُ: نَزَلَتْ فِي أَبِي جَهْلٍ وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ قَتَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمَ بَدْرٍ {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} [إبراهيم: 28]
حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: " §نَزَلَتْ فِي أَبِي جَهْلٍ {خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ} [الدخان: 47] قَالَ قَتَادَةُ: قَالَ أَبُو جَهْلٍ: مَا بَيْنَ جَبَلَيْهَا رَجُلٌ أَعَزُّ وَلَا أَكْرَمُ مِنِّي، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان: 49] "
حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {§خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ} [الدخان: 47] قَالَ: «هَذَا لِأَبِي جَهْلٍ» فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ قِيلَ وَهُوَ يُهَانُ بِالْعَذَابِ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ، وَيُذَلُّ بِالْعَتْلِ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ؟ قِيلَ: إِنَّ قَوْلَهُ: {إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان: 49] غَيْرُ وَصَفٍ مِنْ قَائِلِ ذَلِكَ لَهُ بِالْعِزَّةِ وَالْكَرَمِ، وَلَكِنَّهُ تَقْرِيعٌ -[62]- مِنْهُ لَهُ بِمَا كَانَ يَصِفُ بِهِ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا، وَتَوْبِيخٌ لَهُ بِذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْحِكَايَةِ، لِأَنَّهُ كَانَ فِي الدُّنْيَا يَقُولُ: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ، فَقِيلَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، إِذْ عُذِّبَ بِمَا عُذِّبَ بِهِ فِي النَّارِ: ذُقْ هَذَا الْهَوَانَ الْيَوْمَ، فَإِنَّكَ كُنْتَ تَزْعُمُ أَنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ، وَإِنَّكَ أَنْتَ الذَّلِيلُ الْمَهِينُ، فَأَيْنَ الَّذِي كُنْتَ تَقُولُ وَتَدَّعِي مِنَ الْعِزِّ وَالْكَرَمِ، هَلَّا تَمْتَنِعُ مِنَ الْعَذَابِ بِعِزَّتِكَ

الصفحة 61