كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 21)

الِابْتِدَاءِ، وَتَرْكِ رَدِّهَا عَلَى قَوْلِهِ: {لَآيَاتٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الجاثية: 3] ، وَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ (آيَاتٍ) خَفْضًا بِتَأْوِيلِ النَّصْبِ رَدًّا عَلَى قَوْلِهِ: {لَآيَاتٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الجاثية: 3] وَزَعَمَ قَارِئُو ذَلِكَ كَذَلِكَ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُمُ اخْتَارُوا قِرَاءَتَهُ كَذَلِكَ، لِأَنَّهُ فِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ فِي الْآيَاتِ الثَّلَاثَةِ «لَآيَاتٌ» بِاللَّامِ فَجَعَلُوا دُخُولَ اللَّامِ فِي ذَلِكَ فِي قِرَاءَتِهِ دَلِيلًا لَهُمْ عَلَى صِحَّةِ قِرَاءَةِ جَمِيعِهِ بِالْخَفْضِ، وَلَيْسَ الَّذِي اعْتَمَدُوا عَلَيْهِ مِنَ الْحُجَّةِ فِي ذَلِكَ بِحُجَّةٍ، لِأَنَّ لَا رِوَايَةَ بِذَلِكَ عَنْ أُبَيٍّ صَحِيحَةٌ، وَأُبَيُّ لَوْ صَحَّتْ بِهِ عَنْهُ رِوَايَةٌ، ثُمَّ لَمْ يَعْلَمْ كَيْفَ كَانَتْ قِرَاءَتُهُ بِالْخَفْضِ أَوْ بِالرَّفْعِ لَمْ يَكُنْ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُهُ خَفْضًا، بِأَوْلَى مِنَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُهُ رَفْعًا، إِذْ كَانَتِ الْعَرَبُ قَدْ تُدْخِلُ اللَّامَ فِي خَبَرِ الْمَعْطُوفِ عَلَى جُمْلَةِ كَلَامٍ تَامٍّ قَدْ عَمِلَتْ فِي ابْتِدَائِهَا «إِنَّ» ، مَعَ ابْتِدَائِهِمْ إِيَّاهُ، كَمَا قَالَ حُمَيْدُ بْنُ ثَوْرٍ الْهِلَالِيُّ:
إِنَّ الْخِلَافَةَ بَعْدَهُمْ لَذَمِيمَةٌ ... وَخَلَائِفٌ طُرُفٌ لَمِمًا أَحْقِرُ
فَأَدْخَلَ اللَّامَ فِي خَبَرِ مُبْتَدَأٍ بَعْدَ جُمْلَةِ خَبَرٍ قَدْ عَمِلَتْ فِيهِ «إِنَّ» إِذْ كَانَ الْكَلَامُ، وَإِنْ ابْتُدِئَ مَنْوِيًا فِيهِ إِنَّ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ إِنْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْنَا أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْخَفْضَ فِي هَذِهِ الْأَحْرُفِ وَالرَّفْعِ قِرَاءَتَانِ مُسْتَفِيضَتَانِ فِي قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ قَدْ قَرَأَ بِهِمَا عُلَمَاءُ مِنَ الْقُرَّاءِ صَحِيحَتَا الْمَعْنَى، فَبَأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الجاثية: 5]-[74]- يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَفِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَيُّهَا النَّاسُ، تَعَاقُبِهِمَا عَلَيْكُمْ، هَذَا بِظَلْمَتِهِ وَسَوَادِهِ وَهَذَا بِنُورِهِ وَضِيَائِهِ {وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ} [الجاثية: 5] وَهُوَ الْغَيْثُ الَّذِي بِهِ تُخْرِجُ الْأَرْضُ أَرْزَاقَ الْعِبَادِ وَأَقْوَاتِهِمْ، وَإِحْيَائِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا: يَقُولُ: فَأَنْبَتَ مَا أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مِنَ الْغَيْثِ مَيِّتَ الْأَرْضِ، حَتَّى اهْتَزَّتْ بِالنَّبَاتِ وَالزَّرْعِ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا، يَعْنِي مِنْ بَعْدَ جُدُوبِهَا وَقُحُوطِهَا وَمَصِيرِهَا دَائِرَةٌ لَا نَبْتَ فِيهَا وَلَا زَرْعَ

الصفحة 73