كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 21)

§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ} [الجاثية: 6] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَذِهِ الْآيَاتُ وَالْحُجَجُ يَا مُحَمَّدُ مِنْ رَبِّكَ عَلَى خَلْقِهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ: يَقُولُ: نُخْبِرُكَ عَنْهَا بِالْحَقِّ لَا بِالْبَاطِلِ، كَمَا يُخْبِرُ مُشْرِكُو قَوْمِكَ عَنْ آلِهَتِهِمْ بِالْبَاطِلِ، أَنَّهَا تُقَرِّبُهُمْ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى، فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ تُؤْمِنُونَ: يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُشْرِكِينَ بِهِ: فَبِأَيِّ حَدِيثٍ أَيُّهَا الْقَوْمُ بَعْدَ حَدِيثِ اللَّهِ هَذَا الَّذِي يَتْلُوهُ عَلَيْكُمْ، وَبَعْدَ حُجَجِهِ عَلَيْكُمْ وَأَدِلَّتِهِ الَّتِي دَلَّكُمْ بِهَا عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا رَبَّ لَكُمْ سِوَاهُ، تُصَدِّقُونَ، إِنْ أَنْتُمْ كَذَّبْتُمْ لِحَدِيثِهِ وَآيَاتِهِ وَهَذَا التَّأْوِيلُ عَلَى مَذْهَبِ قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ (تُؤْمِنُونَ) عَلَى وَجْهِ الْخِطَابِ مِنَ اللَّهِ بِهَذَا الْكَلَامِ لِلْمُشْرِكِينَ، وَذَلِكَ قِرَاءَةُ عَامَّةِ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ وَأَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهُ {يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 3] بِالْيَاءِ، فَإِنَّ مَعْنَاهُ: فَبِأَيِّ حَدِيثٍ يَا مُحَمَّدُ بَعْدَ حَدِيثِ اللَّهِ الَّذِي يَتْلُوهُ عَلَيْكَ وَآيَاتِهِ هَذِهِ الَّتِي نَبَّهَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ عَلَيْهَا، وَذَكَّرَهُمْ بِهَا، يُؤْمِنُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ عَامَّةِ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ، وَلِكِلْتَا الْقِرَاءَتَيْنِ وَجْهٌ صَحِيحٌ، وَتَأْوِيلٌ مَفْهُومٌ، فَبِأَيَّةِ الْقِرَاءَتَيْنِ قَرَأَ ذَلِكَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ عِنْدَنَا، وَإِنْ كُنْتُ أَمِيلُ إِلَى قِرَاءَتِهِ بِالْيَاءِ إِذْ كَانَتْ فِي سِيَاقِ آيَاتٍ قَدْ مَضَيْنَ قَبْلَهَا عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: {لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [البقرة: 118] وَ {لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [البقرة: 164]
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الجاثية: 8]-[76]- يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: الْوَادِي السَّائِلُ مِنْ صَدِيدِ أَهْلِ جَهَنَّمَ، لِكُلِّ كَذَّابٍ ذِي إِثْمٍ بِرَبِّهِ، مُفْتَرٍ عَلَيْهِ {يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ} [الجاثية: 8] يَقُولُ: يَسْمَعُ آيَاتِ كِتَابِ اللَّهِ تُقْرَأُ عَلَيْهِ {ثُمَّ يُصِرُّ} [الجاثية: 8] عَلَى كُفْرِهُ وَإِثْمِهِ فَيُقِيمُ عَلَيْهِ غَيْرَ تَائِبٍ مِنْهُ، وَلَا رَاجِعٍ عَنْهُ {مُسْتَكْبِرًا} [لقمان: 7] عَلَى رَبِّهِ أَنْ يُذْعِنَ لَأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ {كَأَنْ لَمْ يَسْمَعُهَا} [لقمان: 7] يَقُولُ: كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْ مَا تُلِيَ عَلَيْهِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ بِإِصْرَارِهِ عَلَى كُفْرِهِ {فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [لقمان: 7] يَقُولُ: فَبَشِّرْ يَا مُحَمَّدُ هَذَا الْأَفَّاكَ الْأَثَيمَ الَّذِي هَذِهِ صِفَتُهُ بِعَذَابٍ مِنَ اللَّهِ لَهُ {أَلِيمٍ} [البقرة: 10] يَعْنِي مُوجِعٍ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

الصفحة 75