كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 21)

الْجَزَاءُ قَوْمًا، بِإِضْمَارِ الْجَزَاءِ، وَجَعْلِهِ مَرْفُوعًا «لِيُجْزَى» فَيَكُونُ وَجْهًا مِنَ الْقِرَاءَةِ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنَّ قِرَاءَتَهُ بِالْيَاءِ وَالنُّونِ عَلَى مَا ذَكَرْتُ مِنْ قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ جَائِزَةٌ بِأَيِّ تَيْنِكَ الْقِرَاءَتَيْنِ قَرَأَ الْقَارِئُ فَأَمَّا قِرَاءَتُهُ عَلَى مَا ذَكَرْتُ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، فَغَيْرُ جَائِزَةٍ عِنْدِي لِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ خِلَافٌ لِمَا عَلَيْهِ الْحُجَّةُ مِنَ الْقُرَّاءِ، وَغَيْرُ جَائِزٍ عِنْدِي خِلَافُ مَا جَاءَتْ بِهِ مُسْتَفِيضًا فِيهِمْ وَالثَّانِي بُعْدُهَا مِنَ الصِّحَّةِ فِي الْعَرَبِيَّةِ إِلَّا عَلَى اسْتِكْرَاهِ الْكَلَامِ عَلَى غَيْرِ الْمَعْرُوفِ مِنْ وَجْهِهِ
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} [الجاثية: 15] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَنْ عَمِلَ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ بِطَاعَتِهِ فَانْتَهَى إِلَى أَمْرِهِ، وَانْزَجَرَ لِنَهْيِهِ، فَلِنَفْسِهِ عَمِلَ ذَلِكَ الصَّالِحَ مِنَ الْعَمَلِ، وَطَلَبَ خَلَاصَهَا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، أَطَاعَ رَبَّهُ لَا لِغَيْرِ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَا يَنْفَعُ ذَلِكَ غَيْرُهُ، وَاللَّهُ عَنْ عَمَلِ كُلِّ عَامِلٍ غَنِيُّ {وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} [فصلت: 46] يَقُولُ: وَمَنْ أَسَاءَ عَمَلَهُ فِي الدُّنْيَا بِمَعْصِيَتِهِ فِيهَا رَبَّهُ، وَخِلَافِهِ فِيهَا أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ، فَعَلَى نَفْسِهِ جَنَى، لِأَنَّهُ أَوْبَقَهَا بِذَلِكَ، وَأَكْسَبَهَا بِهِ سَخَطَهُ، وَلَمْ يَضُرَّ أَحَدًا سِوَى نَفْسِهِ {ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} [السجدة: 11] يَقُولُ: ثُمَّ أَنْتُمْ أَيُّهَا النَّاسُ أَجْمَعُونَ إِلَى رَبِّكُمْ تَصِيرُونَ مِنْ بَعْدِ مَمَاتِكُمْ، فَيُجَازِي الْمُحْسِنَ بِإِحْسَانِهِ، وَالْمُسِيءَ بِإِسَاءَتِهِ، فَمَنْ وَرَدَ عَلَيْهِ مِنْكُمْ بِعَمَلٍ صَالِحٍ جُوزِيَ مِنَ

الصفحة 83