كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 21)

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: ثَنَا حُسَيْنٌ، عَنْ شَيْبَانَ، عَنْ لَيْثٍ، فِي قَوْلِهِ: { «§سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ» } [الجاثية: 21] قَالَ: «بُعِثَ الْمُؤْمِنُ مُؤْمِنًا حَيًّا وَمَيِّتًا، وَالْكَافِرُ كَافِرًا حَيًّا وَمَيِّتًا» وَقَدْ يَحْتَمِلُ الْكَلَامُ إِذَا قُرِئَ سَوَاءٌ رَفَعَا وَجْهًا آخَرَ غَيْرَ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ مُجَاهِدٍ وَلَيْثٍ، وَهُوَ أَنْ يُوَجَّهَ إِلَى: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ وَالْمُؤْمِنِينَ سَوَاءً فِي الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ، بِمَعْنَى: أَنَّهُمْ لَا يَسْتَوُونَ، ثُمَّ يُرْفَعُ سَوَاءٌ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى، إِذْ كَانَ لَا يَنْصَرِفُ، كَمَا يُقَالُ: مَرَرْتُ بِرَجُلٍ خَيْرٌ مِنْكَ أَبُوهُ، وَحَسْبُكَ أَخُوهُ، فَرَفَعَ حَسْبُكَ، وَخَيْرٌ إِذْ كَانَا فِي مَذْهَبِ الْأَسْمَاءِ، وَلَوْ وَقَعَ مَوْقِعَهُمَا فِعْلٌ فِي لَفْظِ اسْمٍ لَمْ يَكُنْ إِلَّا نَصْبًا، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: «سَوَاءٌ» وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ {سَوَاءً} [البقرة: 6] نَصْبًا، بِمَعْنَى: أَحَسِبُوا أَنْ نَجْعَلَهُمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ فِي قِرَاءَةِ الْأَمْصَارِ قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ صَحِيحَتَا الْمَعْنَى، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ نَصْبِ قَوْلِهِ: {سَوَاءً} [البقرة: 6] وَرَفْعِهِ، فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ «سَوَاءٌ مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ» رَفْعٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتَ لِلْكُفَّارِ كُلَّهُ قَالَ: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الجاثية: 21] ثُمَّ قَالَ: سَوَاءً مَحْيَا الْكُفَّارِ وَمَمَاتُهُمْ: أَيْ مَحْيَاهُمْ مَحْيَا سَوَاءٌ، وَمَمَاتُهُمْ مَمَاتٌ سَوَاءٌ، فَرَفَعَ السَّوَاءَ عَلَى الِابْتِدَاءِ قَالَ: وَمَنْ فَسَّرَ

الصفحة 89