كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 21)

وَالنَّصْبُ لِلْأَخْبَارِ كَمَا تَقُولُ: جَعَلْتُ إِخْوَتَكَ سَوَاءً، صَغِيرُهُمْ وَكَبِيرُهُمْ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرْفَعَ، لِأَنَّ سَوَاءً لَا يَنْصَرِفُ وَقَالَ: مَنْ قَالَ: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الجاثية: 21] فَجَعَلَ كَالَّذِينَ الْخَبَرَ اسْتَأْنَفَ بِسَوَاءٍ وَرَفَعَ مَا بَعْدَهَا، وَإِنْ نَصَبَ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتَ نَصَبَ سَوَاءً لَا غَيْرُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُنَا الصَّوَابَ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ
§وَقَوْلُهُ: {سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الأنعام: 136] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: بِئْسَ الْحُكْمُ الَّذِي حَسِبُوا أَنَّا نَجْعَلُ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ} لِلْعَدْلِ وَالْحَقِّ، لَا لِمَا حَسِبَ هَؤُلَاءِ الْجَاهِلُونَ بِاللَّهِ، مِنْ أَنَّهُ يَجْعَلُ مَنِ اجْتَرَحَ السَّيِّئَاتِ، فَعَصَاهُ وَخَالَفَ أَمْرَهُ، كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، إِذْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ غَيْرِ أَهْلِ الْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ، يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَلَمْ يَخْلُقِ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لِلظُّلْمِ وَالْجَوْرِ، وَلَكِنَّا خَلَقْنَاهُمَا لِلْحَقِّ وَالْعَدْلِ وَمِنَ الْحَقِّ أَنْ نُخَالِفَ بَيْنَ حُكْمِ الْمُسِيءِ وَالْمُحْسِنِ فِي الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ
§وَقَوْلُهُ: {وَلُتَجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [الجاثية: 22] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: -[92]- وَلِيُثِيبُ اللَّهُ كُلَّ عَامِلٍ بِمَا عَمِلَ مِنْ عَمَلٍ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، الْمُحْسِنَ بِالْإِحْسَانِ، وَالْمُسِيءَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، لَا لِنَبْخَسَ الْمُحْسِنَ ثَوَابَ إِحْسَانِهِ، وَنَحْمِلَ عَلَيْهِ جُرْمَ غَيْرِهِ، فَنُعَاقِبُهُ، أَوْ نَجْعَلُ لِلْمُسِيءِ ثَوَابَ إِحْسَانِ غَيْرِهِ فَنُكْرِمُهُ، وَلَكِنْ لِنَجْزِيَ كُلَّا بِمَا كَسَبَتْ يَدَاهُ، وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ جَزَاءَ أَعْمَالِهِمْ

الصفحة 91