كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 21)

§وَقَوْلُهُ: {وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ} [الجاثية: 23] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَطَبَعَ عَلَى سَمْعِهِ أَنْ يَسْمَعَ مَوَاعِظَ اللَّهِ وَآيَ كِتَابِهِ، فَيَعْتَبِرَ بِهَا وَيَتَدَبَّرَهَا، وَيَتَفَكَّرَ فِيهَا، فَيَعْقِلَ مَا فِيهَا مِنَ النُّورِ وَالْبَيَانِ وَالْهُدَى وَقَوْلُهُ: {وَقَلْبِهِ} [الأنفال: 24] يَقُولُ: وَطَبَعَ أَيْضًا عَلَى قَلْبِهِ، فَلَا يَعْقِلُ بِهِ شَيْئًا، وَلَا يَعِي بِهِ حَقًّا
§وَقَوْلُهُ: {وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً} [الجاثية: 23] يَقُولُ: وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً أَنْ يُبْصِرَ بِهِ حُجَجَ اللَّهِ، فَيَسْتَدِلُّ بِهَا عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ، وَيَعْلَمُ بِهَا أَنْ لَا إِلَهَ غَيْرُهُ وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: {وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً} [الجاثية: 23] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ {غِشَاوَةً} [البقرة: 7] بِكَسْرِ الْغَيْنِ وَإِثْبَاتِ الْأَلْفِ فِيهَا عَلَى أَنَّهَا اسْمٌ، وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ (غَشْوَةً) بِمَعْنَى: أَنَّهُ غَشَاهُ شَيْئًا فِي دَفْعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، بِفَتْحِ الْغَيْنِ بِغَيْرِ أَلْفٍ، وَهُمَا عِنْدِي قِرَاءَتَانِ صَحِيحَتَانِ فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ
§وَقَوْلُهُ: {فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ} [الجاثية: 23] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَمَنْ يُوَفِّقْهُ لِإِصَابَةِ الْحَقِّ، وَإِبْصَارِ مَحَجَّةِ الرُّشْدِ بَعْدَ إِضْلَالِ اللَّهِ إِيَّاهُ {أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [يونس: 3] أَيُّهَا النَّاسُ، فَتَعْلَمُوا أَنَّ مَنْ فَعَلَ اللَّهُ بِهِ مَا وَصَفْنَا، فَلَنْ يَهْتَدِيَ أَبَدًا، وَلَنْ يَجِدَ لِنَفْسِهِ وَلِيًّا مُرْشِدًا

الصفحة 94