كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 22)

§وَقَوْلُهُ: {حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ} [القمر: 5] يَعْنِي بِالْحِكْمَةِ الْبَالِغَةِ: هَذَا الْقُرْآنَ، وَرُفِعَتِ الْحِكْمَةُ رَدًّا عَلَى «مَا» الَّتِي فِي قَوْلِهِ: {وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ} [القمر: 4] وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ النَّبَأُ الَّذِي فِيهِ مُزْدَجَرٌ، حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ وَلَوْ رُفِعَتِ الْحِكْمَةُ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ كَانَ جَائِزًا، فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ حِينَئِذٍ: وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ النَّبَأُ الَّذِي فِيهِ مُزْدَجَرٌ، ذَلِكَ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ، أَوْ هُوَ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَتَكُونُ الْحِكْمَةُ كَالتَّفْسِيرِ لَهَا
§وَقَوْلُهُ: {فَمَا تُغْنِي النُّذُرُ} وَفِي «مَا» الَّتِي فِي قَوْلِهِ: {فَمَا تُغْنِي النُّذُرُ} وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى الْجَحْدِ، فَيَكُونُ إِذَا وَجَّهْتَ إِلَى ذَلِكَ مَعْنَى الْكَلَامِ، فَلَيْسَتْ تُغْنِي عَنْهُمُ النُّذُرُ وَلَا يَنْتَفِعُونَ بِهَا، لِإِعْرَاضِهِمْ عَنْهَا وَتَكْذِيبِهِمْ بِهَا وَالْآخَرُ: أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى: أَنَّى، فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ إِذَا وَجَّهْتَ إِلَى ذَلِكَ: فَأَيُّ شَيْءٍ تُغْنِي عَنْهُمُ النُّذُرُ وَالنُّذُرُ: جَمْعُ نَذِيرٍ، كَالْجُدُدِ: جَمْعُ جَدِيدٍ، وَالْحُصُرُ: جَمْعُ حَصِيرٍ
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنْتَشِرٌ مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ} [القمر: 7] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} [الصافات: 174] فَأَعْرِضْ يَا مُحَمَّدُ عَنْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَوْمِكَ، الَّذِينَ إِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا: سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ، فَإِنَّهُمْ يَوْمَ يَدْعُو دَاعِي اللَّهِ إِلَى مَوْقِفِ الْقِيَامَةِ، وَذَلِكَ هُوَ

الصفحة 116