كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 22)

§وَقَوْلُهُ: {سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ} [القمر: 26] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ اللَّهُ لَهُمْ: سَتَعْلَمُونَ غَدًا فِي الْقِيَامَةِ مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ مِنْكُمْ مَعْشَرَ ثَمُودَ، وَمَنْ رَسُولَنَا صَالِحٌ حِينَ تَرِدُونَ عَلَى رَبِّكُمْ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ تَأْوِيلُ مَنْ قَرَأَهُ (سَتَعْلَمُونَ) بِالتَّاءِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ عَامَّةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ سِوَى عَاصِمٍ وَالْكِسَائِيِّ وَأَمَّا تَأْوِيلُ ذَلِكَ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهُ بِالْيَاءِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ عَامَّةِ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَعَاصِمٍ وَالْكِسَائِيِّ، فَإِنَّهُ قَالَ اللَّهُ: {سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ} [القمر: 26] وَتَرَكَ مِنَ الْكَلَامِ ذِكْرَ قَالَ اللَّهُ، اسْتِغْنَاءً بِدِلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ، قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عُلَمَاءُ مِنَ الْقُرَّاءِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ، لِتَقَارُبِ مَعْنَيَيْهِمَا، وَصِحَّتِهِمَا فِي الْإِعْرَابِ وَالتَّأْوِيلِ
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ} [القمر: 28] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّا بَاعِثُوا النَّاقَةِ الَّتِي سَأَلَتْهَا ثَمُودُ صَالِحًا مِنَ الْهَضْبَةِ الَّتِي سَأَلُوهُ بَعْثَتَهَا مِنْهَا آيَةً لَهُمْ، وَحُجَّةً لِصَالِحٍ عَلَى حَقِيقَةِ نُبُوَّتِهِ وَصِدْقِ قَوْلِهِ
§وَقَوْلُهُ: {فِتْنَةً لَهُمْ} [القمر: 27] يَقُولُ: ابْتِلَاءً لَهُمْ وَاخْتِبَارًا، هَلْ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَيَتَّبِعُونَ -[142]- صَالِحًا وَيُصَدِّقُونَهُ بِمَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ إِذَا أَرْسَلَ النَّاقَةَ، أَمْ يُكَذِّبُونَهُ وَيَكْفُرُونَ بِاللَّهِ؟

الصفحة 141