كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 22)

حَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: {§إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49] قَالَ: «خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ بِقَدَرٍ، وَخَلَقَ لَهُمُ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ بِقَدَرٍ، فَخَيْرُ الْخَيْرِ السَّعَادَةُ، وَشَرُّ الشَّرِّ الشَّقَاءُ، بِئْسَ الشَّرُّ الشَّقَاءُ» وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ نَصْبِ قَوْلِهِ: {كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49] فَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ: نَصَبَ كُلَّ شَيْءِ فِي لُغَةِ مَنْ قَالَ: عَبْدَ اللَّهِ ضَرَبْتُهُ؛ قَالَ: وَهِيَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ كَثِيرٌ قَالَ: وَقَدْ رُفِعَتْ كُلُّ فِي لُغَةِ مَنْ رَفَعَ، وَرُفِعَتْ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ قَالَ {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49] فَجَعَلَ خَلَقْنَاهُ مِنْ صِفَةِ الشَّيْءِ؛ وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنَّمَا نَصَبَ كُلَّ لِأَنَّ قَوْلَهُ خَلَقْنَاهُ فِعْلٌ، لِقَوْلِهِ «إِنَّا» ، وَهُوَ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ إِلَيْهِ مِنَ الْمَفْعُولِ، فَلِذَلِكَ اخْتِيرَ النَّصْبُ، وَلَيْسَ قِيلُ عَبْدِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ: عَبْدَ اللَّهِ ضَرَبْتُهُ شَيْءٌ هُوَ أَوْلَى بِالْفِعْلِ، وَكَذَلِكَ إِنَّا طَعَامَكَ أَكَلْنَاهُ الِاخْتِيَارُ النَّصْبُ لِأَنَّكَ تُرِيدُ: إِنَّا أَكَلْنَا طَعَامَكَ الْأَكْلَ، أَوْلَى بِأَنَّا مِنَ الطَّعَامِ قَالَ: وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: خَلَقْنَاهُ وَصْفٌ لِلشَّيْءِ فَبَعِيدٌ، لِأَنَّ الْمَعْنَى: إِنَّا خَلَقْنَاهُ كُلَّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ، وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي أَوْلَى بِالصَّوَابِ عِنْدِي مِنَ الْأَوَّلِ لِلْعِلَلِ الَّتِي ذُكِرَتْ لِصَاحِبِهَا
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُّدَّكِرٍ وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي -[164]- الزُّبُرِ} [القمر: 51] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا أَمْرُنَا لِلشَّيْءِ إِذَا أَمَرْنَاهُ وَأَرَدْنَا أَنْ نُكَوِّنُهُ إِلَّا قَوْلَةٌ وَاحِدَةٌ: كُنْ فَيَكُونَ، لَا مُرَاجَعَةَ فِيهَا وَلَا مُرَادَّةَ {كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر: 50] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَيُوجَدُ مَا أَمَرْنَاهُ وَقُلْنَا لَهُ: كُنْ كَسُرْعَةِ اللَّمْحِ بِالْبَصَرِ لَا يُبْطِئُ وَلَا يَتَأَخَّرُ، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِمُشْرِكِي قُرَيْشٍ الَّذِينَ كَذَّبُوا رَسُولَهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشْيَاعَكُمْ مَعْشَرَ قُرَيْشٍ مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ وَالْقُرُونِ الْخَالِيَةِ، عَلَى مِثْلِ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ بِاللَّهِ، وَتَكْذِيبِ رُسُلِهِ {فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرِ} [القمر: 15] يَقُولُ: فَهَلْ مِنْ مُتَّعِظٍ بِذَلِكَ مُنْزَجِرٍ يَنْزَجِرُ بِهِ

الصفحة 163