كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 22)

§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الصف: 7] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَنْ أَشَدُّ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا مِمَّنِ اخْتَلَقَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ، وَهُوَ قَوْلُ قَائِلِهِمْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هُوَ سَاحِرٌ وَلِمَا جَاءَ بِهِ سِحْرٌ، فَكَذَلِكَ افْتِرَاؤُهُ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ يَقُولُ: إِذَا دُعِيَ إِلَى الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ، قَالَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ، وَافْتَرَى عَلَيْهِ الْبَاطِلَ {وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [البقرة: 258] يَقُولُ: وَاللَّهُ لَا يُوَفِّقُ الْقَوْمَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِكُفْرِهِمْ بِهِ لِإِصَابَةِ الْحَقِّ.
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يُرِيدُ هَؤُلَاءِ الْقَائِلُونَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذَا سَاحِرٌ مُبِينٌ {لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ} يَقُولُ: يُرِيدُونَ لِيُبْطِلُوا الْحَقَّ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {بِأَفْوَاهِهِمْ} [آل عمران: 167] يَعْنِي بِقَوْلِهِمْ إِنَّهُ سَاحِرٌ، وَمَا جَاءَ بِهِ سِحْرٌ {وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ} [الصف: 8] يَقُولُ: اللَّهُ مُعْلِنٌ الْحَقَّ، وَمُظْهِرٌ دِينَهُ، وَنَاصِرٌ مُحَمَّدًا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ عَادَاهُ، فَذَلِكَ إِتْمَامُ نُورِهِ، وَعُنِيَ بِالنُّورِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الْإِسْلَامُ. وَكَانَ ابْنُ زَيْدٍ يَقُولُ: عُنِيَ بِهِ الْقُرْآنُ.
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {§لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ} قَالَ: نُورُ الْقُرْآنِ -[615]- وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ} [الصف: 8] فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: (مُتِمٌّ نُورَهُ) بِالنَّصْبِ. وَقَرَأَهُ بَعْضُ قُرَّاءِ مَكَّةَ وَعَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ: {مُتِمُّ} [آل عمران: 157] بِغَيْرِ تَنْوِينٍ {نُورِهِ} [الصف: 8] خَفْضًا، وَهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ مُتَقَارِبَتَا الْمَعْنَى، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ عِنْدَنَا

الصفحة 614