كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 22)

الَّذِينَ آمَنُوا} [البقرة: 104] بِوَصْفِهِمْ بِالْإِيمَانِ؟ فَإِنَّ الْجَوَابَ فِي ذَلِكَ نَظِيرُ جَوَابِنَا فِي قَوْلِهِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ} [النساء: 136] وَقَدْ مَضَى الْبَيَانُ عَنْ ذَلِكَ، فِي مَوْضِعِهِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ.
§وَقَوْلُهُ: {وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} [الصف: 11] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَتُجَاهِدُونَ فِي دِينِ اللَّهِ، وَطَرِيقِهِ الَّذِي شَرَعَهُ لَكُمْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 54] يَقُولُ: إِيمَانُكُمْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَجِهَادُكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ تَضْيِيعِ ذَلِكَ وَالتَّفْرِيطِ {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 184] مَضَارَّ الْأَشْيَاءِ وَمَنَافِعَهَا. وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: «آمِنُوا بِاللَّهِ» عَلَى وَجْهِ الْأَمْرِ، وَبُيِّنَتِ التِّجَارَةُ مِنْ قَوْلِهِ: {هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ} [الصف: 10] وَفُسِّرَتْ بِقَوْلِهِ: {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [النساء: 59] وَلَمْ يَقُلْ: أَنْ تُؤْمِنُوا، لِأَنَّ الْعَرَبَ إِذَا فَسَّرَتِ الِاسْمَ بِفِعْلٍ تُثْبِتُ فِي تَفْسِيرِهِ أَنْ أَحْيَانًا، وَتَطْرَحُهَا أَحْيَانًا، فَتَقُولُ لِلرَّجُلِ: هَلْ لَكَ فِي خَيْرٍ تَقُومُ بِنَا إِلَى فُلَانٍ فَنَعُودُهُ؟ هَلْ لَكَ فِي خَيْرٍ أَنْ تَقُومَ إِلَى فُلَانٍ فَنَعُودَهُ؟ بِأَنْ وَبِطَرْحِهَا. وَمِمَّا جَاءَ فِي الْوَجْهَيْنِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا قَوْلُهُ: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ أَنَّا} [عبس: 25] وَإِنَّا؛ فَالْفَتْحُ فِي أَنَّا لُغَةُ مَنْ أَدْخَلَ فِي يَقُومَ أَنْ مِنَ قَوْلِهِمْ: هَلْ لَكَ فِي خَيْرٍ أَنْ تَقُومَ، وَالْكَسْرُ فِيهَا لُغَةُ مَنْ يُلْقِي أَنْ مِنَ تَقُومُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُهُ: {فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةَ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ} [النمل: 51] وَإِنَّا دَمَّرْنَاهُمْ، عَلَى مَا بَيَّنَّا.
حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثنا يَزِيدُ، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا -[618]- هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ} [الصف: 10] الْآيَةُ، فَلَوْلَا أَنَّ اللَّهَ بَيَّنَهَا، وَدَلَّ عَلَيْهَا الْمُؤْمِنِينَ، §لَتَلَهَّفَ عَلَيْهَا رِجَالٌ أَنْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَهَا، حَتَّى يَضِنُّوا بِهَا وَقَدْ دَلَّكُمُ اللَّهُ عَلَيْهَا، وَأَعْلَمَكُمْ إِيَّاهَا فَقَالَ: {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الصف: 11]

الصفحة 617