كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 22)
§وَقَوْلُهُ: {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ} [المنافقون: 4] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: يَحْسِبُ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ مِنْ خُبْثِهِمْ وَسُوءِ ظَنِّهِمْ، وَقِلَّةِ يَقِينِهِمْ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّهُمْ عَلَى وَجَلٍ أَنْ يُنْزِلَ اللَّهُ فِيهِمْ أَمْرًا يَهْتِكُ بِهِ أَسْتَارَهُمْ وَيَفْضَحُهُمْ، وَيُبِيحُ لِلْمُؤْمِنِينَ قَتْلَهُمْ وَسَبْيَ ذَرَارِيِّهِمْ، وَأَخْذَ أَمْوَالِهِمْ، فَهُمْ مِنْ خَوْفِهِمْ مِنْ ذَلِكَ كُلَّمَا نَزَلَ بِهِمْ مِنَ اللَّهِ وَحْيٌ عَلَى رَسُولِهِ، ظَنُّوا أَنَّهُ نَزَلَ بِهَلَاكِهِمْ وَعَطَبِهِمْ. يَقُولُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هُمُ الْعَدُوُّ يَا مُحَمَّدُ فَاحْذَرْهُمْ، فَإِنَّ أَلْسِنَتَهُمُ إِذَا لَقُوكُمْ مَعَكُمْ وَقُلُوبُهُمْ عَلَيْكُمْ مَعَ أَعْدَائِكُمْ، فَهُمْ عَيْنٌ لِأَعْدَائِكُمْ عَلَيْكُمْ.
§وَقَوْلُهُ: {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [التوبة: 30] يَقُولُ: أَخْزَاهُمُ اللَّهُ إِلَى أَيِّ وَجْهٍ يُصْرَفُونَ عَنِ الْحَقِّ.
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ: {§وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمُ} [المنافقون: 4] الْآيَةُ، قَالَ: هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} [المنافقون: 4] فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةَ وَالْكُوفَةِ خَلَا الْأَعْمَشَ وَالْكِسَائِيَّ: {خُشُبٌ} [المنافقون: 4] بِضَمِّ الْخَاءِ وَالشِّينِ، كَأَنَّهُمْ وَجَّهُوا ذَلِكَ إِلَى جَمْعِ الْجَمْعِ، جَمَعُوا الْخَشَبَةَ خِشَابًا ثُمَّ جَمَعُوا الْخِشَابَ خُشُبًا، كَمَا جُمِعَتِ الثَّمَرَةُ ثِمَارًا، ثُمَّ ثُمُرًا. وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخُشُبُ بِضَمِّ الْخَاءِ
الصفحة 653