كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 22)
عَنِ الْمَصِيرِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيَسْتَغْفِرَ لَهُمْ؛ وَإِنَّمَا عُنِيَ بِهَذِهِ الْآيَاتِ كُلِّهَا فِيمَا ذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ ابْنُ سَلُولَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ لِأَصْحَابِهِ: {لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا} [المنافقون: 7] ، وَقَالَ: {لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} [المنافقون: 8] . فَسَمِعَ بِذَلِكَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، فَأَخْبَرَ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَهُ عَمَّا أُخْبِرَ بِهِ عَنْهُ، فَحَلَفَ أَنَّهُ مَا قَالَهُ، وَقِيلَ لَهُ: لَوْ أَتَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلْتَهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ، فَجَعَلَ يَلْوِي رَأْسَهُ وَيُحَرِّكُهُ اسْتِهْزَاءً، وَيَعْنِي ذَلِكَ أَنَّهُ غَيْرُ فَاعِلٍ مَا أَشَارُوا بِهِ عَلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ هَذِهِ السُّورَةَ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ وَجَاءَتِ الْأَخْبَارُ.
ذِكْرُ الرِّوَايَةِ الَّتِي جَاءَتْ بِذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثنا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، قَالَ: ثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عَمِّي فِي غَزَاةٍ، فَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيِّ ابْنُ سَلُولَ يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ: لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا، لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ؛ قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَمِّي، فَذَكَرَهُ عَمِّي لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَرْسَلَ إِلَيَّ، فَحَدَّثْتُهُ، فَأَرْسَلَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَصْحَابَهُ، فَحَلَفُوا مَا قَالُوا، قَالَ: فَكَذَّبَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَدَّقَهُ، فَأَصَابَنِي هَمٌّ لَمْ يُصِبْنِي مِثْلُهُ قَطُّ؛ فَدَخَلْتُ الْبَيْتَ، فَقَالَ لِي عَمِّي: مَا أَرَدْتَ إِلَى أَنْ كَذَّبَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَقَتَكَ، قَالَ: حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {إِذَا جَاءَكَ -[656]- الْمُنَافِقُونَ} [المنافقون: 1] قَالَ: فَبَعَثَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَرَأَهَا، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ §اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ صَدَّقَكَ يَا زَيْدُ»
الصفحة 655