كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 23)

عَلَى مَنْعٍ. وَيُوَجِّهُهُ إِلَى أَنَّهُ مِنْ قَوْلِهِمْ: حَارَدَتِ السَّنَةُ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَطَرٌ، وَحَارَدَتِ النَّاقَةُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا لَبَنٌ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
[البحر الرمل]
فَإِذَا مَا حَارَدَتْ أَوْ بَكَأَتْ ... فُتَّ عَنْ حَاجِبِ أُخْرَى طِينُهَا
وَهَذَا قَوْلٌ لَا نَعْلَمُ لَهُ قَائِلًا مِنْ مُتَقَدِّمِي الْعِلْمِ قَالَهُ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَجْهٌ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ غَيْرُ جَائِزٍ عِنْدَنَا أَنْ يُتَعَدَّى مَا أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ، فَمَا صَحَّ مِنَ الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ إِلَّا أَحَدُ الْأَقْوَالِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَعْنَى الْحَرْدِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْقَصْدُ مِنْ قَوْلِهِمْ: قَدْ حَرَدَ فُلَانٌ حَرْدَ فُلَانٍ: إِذَا قَصَدَ قَصْدَهُ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ:
[البحر الرجز]
وَجَاءَ سَيْلٌ كَانَ مِنْ أَمْرِ اللَّهْ ... يَحْرُدُ حَرْدَ الْجَنَّةِ الْمُغِلَّةْ
يَعْنِي: يَقْصِدَ قَصْدَهَا، صَحَّ أَنَّ الَّذِيَ هُوَ أَوْلَى بتَأْوِيلِ الْآيَةِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى قَوْلِهِ وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ وَغَدَوْا عَلَى أَمْرٍ قَدْ قَصَدُوهُ وَاعْتَمَدُوهُ، وَاسْتَسَرُّوهُ بَيْنَهُمْ، قَادِرِينَ عَلَيْهِ فِي أَنْفُسِهِمْ
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَّالُّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ} [القلم: 27] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَلَمَّا صَارَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ إِلَى جَنَّتِهِمْ، وَرَأَوْهَا مُحْتَرِقًا حَرْثُهَا، أَنْكَرُوهَا وَشَكُّوا فِيهَا، هَلْ هِيَ جَنَّتُهُمْ أَمْ لَا؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِأَصْحَابِهِ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُمْ قَدْ -[180]- أَغْفَلُوا طَرِيقَ جَنَّتِهِمْ، وَأَنَّ الَّتِي رَأَوْا غَيْرَهَا: إِنَّا أَيُّهَا الْقَوْمُ لَضَالُّونَ طَرِيقَ جَنَّتِنَا، فَقَالَ مَنْ عَلِمَ أَنَّهَا جَنَّتُهُمْ، وَأَنَّهُمْ لَمْ يُخْطِئُوا الطَّرِيقَ: بَلْ نَحْنُ أَيُّهَا الْقَوْمُ مَحْرُومُونَ، حُرِمْنَا مَنْفَعَةَ جَنَّتِنَا بِذَهَابِ حَرْثِهَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.

الصفحة 179