كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 23)

§سُورَةُ التَّغَابُنِ مَدَنِيَّةٌ وَآيَاتُهَا ثَمَانِيَ عَشْرَةَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَسْجُدُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ خَلْقِهِ وَيُعَظِّمُهُ.
§وَقَوْلُهُ: {لَهُ الْمُلْكُ} [البقرة: 247] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَسُلْطَانُهُ مَاضٍ قَضَاؤُهُ فِي ذَلِكَ نَافِذٌ فِيهِ أَمْرُهُ.
§وَقَوْلُهُ: {وَلَهُ الْحَمْدُ} [الروم: 18] يَقُولُ: وَلَهُ حَمْدُ كُلِّ مَا فِيهَا مِنْ خِلْقٍ، لِأَنَّ جَمِيعَ مَنْ فِي ذَلِكَ مِنَ الْخَلْقِ لَا يَعْرِفُونَ الْخَيْرَ إِلَّا مِنْهُ، وَلَيْسَ لَهُمْ رَازِقٌ سِوَاهُ فَلَهُ حَمْدُ جَمِيعِهِمْ. {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [المائدة: 120] يَقُولُ: وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ذُو قُدْرَةٍ يَقُولُ: يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ، وَيُمِيتُ مَنْ يَشَاءُ، وَيُغْنِي مَنْ أَرَادَ، وَيُفْقِرُ مَنْ يَشَاءُ وَيُعِزُّ مَنْ يَشَاءُ، وَيُذِلَّ مَنْ يَشَاءُ، لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَرَادَهُ، لِأَنَّهُ ذُو الْقُدْرَةِ التَّامَّةِ الَّتِي لَا يُعْجِزُهُ مَعَهَا شَيْءٌ.
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [التغابن: 2] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ، وَهُوَ مِنْ ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ {فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} [التغابن: 2] يَقُولُ: فَمِنْكُمْ كَافِرٌ بِخَالِقِهِ وَأَنَّهُ خَلَقَهُ؛ {وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} [التغابن: 2] يَقُولُ: وَمِنْكُمْ مُصَدِّقٌ بِهِ مُوقِنٌ أَنَّهُ خَالِقُهُ أَوْ بَارِئُهُ. {وَاللَّهُ بِمَا -[6]- تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة: 265] يَقُولُ: وَاللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ بَصِيرٌ بِأَعْمَالِكُمْ عَالِمٌ بِهَا، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْءٌ، وَهُوَ مُجَازِيكُمْ بِهَا، فَاتَّقُوهُ أَنْ تُخَالِفُوهُ فِي أَمْرِهِ أَوْ نَهْيِهِ، فَيَسْطُوَ بِكُمْ.

الصفحة 5