كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 23)

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثنا عَبْدُ الْأَعْلَى، قَالَ: ثنا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: إِنَّ §مِنَ الرِّيبَةِ الْمَرْأَةُ الْمُسْتَحَاضَةُ، وَالَّتِي لَا يَسْتَقِيمُ لَهَا الْحَيْضُ، تَحِيضُ فِي الشَّهْرِ مِرَارًا، وَفِي الْأَشْهُرِ مَرَّةً، فَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ. وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصِّحَّةِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عُنِيَ بِذَلِكَ: إِنِ ارْتَبْتُمْ فَلَمْ تَدْرُوا مَا الْحُكْمُ فِيهِنَّ، وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ لَوْ كَانَ كَمَا قَالَهُ مَنْ قَالَ: إِنِ ارْتَبْتُمْ بِدِمَائِهِنَّ فَلَمْ تَدْرُوا أَدَمُ حَيْضٍ، أَوِ اسْتِحَاضَةٍ؟ لَقِيلَ: إِنِ ارْتَبْتُنَّ لِأَنَّهُنَّ إِذَا أَشْكَلَ الدَّمُ عَلَيْهِنَّ فَهُنَّ الْمُرْتَابَاتُ بِدِمَاءِ أَنْفُسِهِنَّ لَا غَيْرِهِنَّ، وَفِي قَوْلِهِ: {إِنِ ارْتَبْتُمْ} [الطلاق: 4] وَخِطَابِهِ الرِّجَالَ بِذَلِكَ دُونَ النِّسَاءِ الدَّلِيلُ الْوَاضِحُ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ: إِنِ ارْتَبْتُمْ أَيُّهَا الرِّجَالُ بِالْحُكْمِ فِيهِنَّ؛ وَأُخْرَى وَهُوَ أَنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَالَ: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ} [الطلاق: 4] وَالْيَائِسَةُ مِنَ الْمَحِيضِ هِيَ الَّتِي لَا تَرْجُو مَحِيضًا لِلْكِبَرِ، وَمُحَالٌ أَنْ يُقَالَ: وَاللَّائِي يَئِسْنَ، ثُمَّ -[53]- يُقَالَ: ارْتَبْتُمْ بِيَأْسِهِنَّ، لِأَنَّ الْيَأْسَ: هُوَ انْقِطَاعُ الرَّجَاءِ وَالْمُرْتَابُ بِيَأْسِهَا مَرْجُوٌّ لَهَا، وَغَيْرُ جَائِزٍ ارْتِفَاعُ الرَّجَاءِ وَوُجُودُهُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، فَإِذَا كَانَ الصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ مَا قُلْنَا، فَبَيِّنٌ أَنَّ تَأْوِيلِ الْآيَةِ: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ} [الطلاق: 4] بِالْحُكْمِ فِيهِنَّ، وَفِي عَدَدِهِنَّ، فَلَمْ تَدْرُوا مَا هُنَّ، فَإِنَّ حُكْمَ عِدَدِهِنَّ إِذَا طُلِّقْنَ، وَهُنَّ مِمَّنْ دَخَلَ بِهِنَّ أَزْوَاجُهُنَّ {فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] يَقُولُ: وَكَذَلِكَ عِدَدُ اللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ مِنَ الْجَوَارِي لِصِغَرٍ إِذَا طَلَّقَهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ بَعْدَ الدُّخُولِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ

الصفحة 52