كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 23)

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، {§هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} [الإنسان: 1] قَالَ: آدَمُ
§وَقَوْلُهُ: {حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} [الإنسان: 1] اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي قَدْرِ هَذَا الْحِينِ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ أَرْبَعُونَ سَنَةً؛ وَقَالُوا: مَكَثَتْ طِينَةُ آدَمَ مُصَوَّرَةً لَا تُنْفَخُ فِيهَا الرُّوحُ أَرْبَعِينَ عَامًا، فَذَلِكَ قَدْرُ الْحِينِ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ؛ قَالُوا: وَلِذَلِكَ قِيلَ: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} [الإنسان: 1] لِأَنَّهُ أَتَى عَلَيْهِ وَهُوَ جِسْمٌ مُصَوَّرٌ لَمْ تَنْفُخْ فِيهِ الرُّوحُ أَرْبَعُونَ عَامًا، فَكَانَ شَيْئًا، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا.
§قَالُوا: وَمَعْنَى قَوْلِهِ: {لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} [الإنسان: 1] لَمْ يَكُنْ شَيْئًا لَهُ نَبَاهَةٌ وَلَا رِفْعَةٌ، وَلَا شَرَفٌ، إِنَّمَا كَانَ طِينًا لَازِبًا وَحَمَأً مَسْنُونًا وَقَالَ آخَرُونَ: لَا حَدَّ لِلْحِينِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَقَدْ يَدْخُلُ هَذَا الْقَوْلُ مِنْ أَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أَنَّهُ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ، وَغَيْرُ مَفْهُومٍ فِي الْكَلَامِ أَنْ يُقَالَ: أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ قَبْلَ أَنْ يُوجَدَ، وَقَبْلَ أَنْ يَكُونَ شَيْئًا، وَإِذَا أُرِيدَ ذَلِكَ قِيلَ: أَتَى حِينٌ قَبْلَ أَنْ يُخْلَقَ، وَلَمْ يَقُلْ أَتَى عَلَيْهِ. وَأَمَّا الدَّهْرُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَلَا حَدَّ لَهُ يُوقَفُ عَلَيْهِ.

الصفحة 530