كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 23)

وَقَدْ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: §إِنَّمَا خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنَ الشَّيْءِ الْقَلِيلِ مِنَ النُّطْفَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْوَلَدَ إِذَا أُسْكِتَ تَرَى لَهُ مِثْلَ الرَّيْرِ؟ وَإِنَّمَا خُلِقَ ابْنُ آدَمَ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ مِنَ النُّطْفَةِ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ
§وَقَوْلُهُ: {نَبْتَلِيهِ} [الإنسان: 2] نَخْتَبِرُهُ وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَقُولُ: الْمَعْنَى: جَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا لنَبْتَلِيهِ، فَهِيَ مُقَدِّمَةٌ مَعْنَاهَا التَّأْخِيرُ، إِنَّمَا الْمَعْنَى خَلَقْنَاهُ وَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا لنَبْتَلِيَهِ، وَلَا وَجْهَ عِنْدِي لِمَا قَالَ يَصِحُّ، وَذَلِكَ أَنَّ الِابْتِلَاءَ إِنَّمَا هُوَ بِصِحَّةِ الْآلَاتِ وَسَلَامَةِ الْعَقْلِ مِنَ الْآفَاتِ، وَإِنْ عُدِمَ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ. وَأَمَّا إِخْبَارُهُ إِيَّانَا أَنَّهُ جَعَلَ لَنَا أَسْمَاعًا وَأَبْصَارًا فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَتَذْكِيرٌ مِنْهُ لَنَا بِنِعَمِهِ، وَتَنْبِيهٌ عَلَى مَوْضِعِ الشُّكْرِ؛ فَأَمَّا الِابْتِلَاءُ فَبِالْخَلْقِ مَعَ صِحَّةِ الْفِطْرَةِ، وَسَلَامَةِ الْعَقْلِ مِنَ الْآفَةِ، كَمَا قَالَ -[537]-: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] .

الصفحة 536