كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 23)

§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا} [الإنسان: 15] يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ: {وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا} [الإنسان: 14] وَقَرُبَتْ مِنْهُمْ ظِلَالُ أَشْجَارِهَا. وَلِنَصْبِ {دَانِيَةً} [الأنعام: 99] أَوْجُهٌ: أَحَدُهَا: الْعَطْفُ بِهِ عَلَى قَوْلِهِ: {مُتَّكِئِينَ فِيهَا} [الكهف: 31] . وَالثَّانِي: الْعَطْفُ بِهِ عَلَى مَوْضِعِ قَوْلِهِ: {لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا} [الإنسان: 13] لِأَنَّ مَوْضِعَهُ نَصْبٌ، وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَاهُ: مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ، غَيْرَ رَائِينَ فِيهَا شَمْسًا. وَالثَّالِثُ: نَصْبُهُ عَلَى الْمَدْحِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ، وَدَانِيَةً بَعْدُ عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا، كَمَا يُقَالُ: عِنْدَ فُلَانٍ جَارِيَةٌ جَمِيلَةٌ، وَشَابَّةٌ بَعْدُ طَرِيَّةٌ، تُضْمِرُ مَعَ هَذِهِ الْوَاوِ فِعْلًا نَاصِبًا لِلشَّابَّةِ، إِذَا أُرِيدَ بِهِ الْمَدْحُ، وَلَمْ يُرَدْ بِهِ النَّسَقُ؛ وَأُنِّثَتْ دَانِيَةٌ لِأَنَّ الظِّلَالَ جَمْعٌ. وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بِالتَّذْكِيرِ: «وَدَانِيًا عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا» وَإِنَّمَا ذُكِرَ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مُتَقَدِّمٌ، وَهِيَ فِي قِرَاءَةٍ فِيمَا بَلَغَنِي: «وَدَانٍ» رُفِعَ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ.
§وَقَوْلُهُ: {وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا} [الإنسان: 14] يَقُولُ: وَذُلِّلَ لَهُمُ اجْتِنَاءُ ثَمَرِ شَجَرِهَا، كَيْفَ شَاءُوا قُعُودًا وَقِيَامًا ومُتَّكِئِينَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثنا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي -[554]- الْحَارِثُ، قَالَ: ثنا الْحَسَنُ، قَالَ: ثنا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلُهُ: {§وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا} [الإنسان: 14] قَالَ: إِذَا قَامَ ارْتَفَعَتْ بِقَدْرِهِ، وَإِنْ قَعَدَ تَدَلَّتْ حَتَّى يَنَالَهَا، وَإِنِ اضْطَجَعَ تَدَلَّتْ حَتَّى يَنَالَهَا، فَذَلِكَ تَذْلِيلُهَا

الصفحة 553