كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 23)

وَقَدْ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ بِهَذَا الْحَدِيثِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ مُجَاهِدٍ، فَقَالَ: §الْأَكْوَابُ: الْأَقْدَاحُ.
§وَقَوْلُهُ: {كَانَتْ قَوَارِيرَا} [الإنسان: 15] يَقُولُ: كَانَتْ هَذِهِ الْأَوَانِي وَالْأَكْوَابُ قَوَارِيرَ، فَحَوَّلَهَا اللَّهُ فِضَّةً. وَقِيلَ: إِنَّمَا قِيلَ: وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ، لِيَدُلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ أَرْضَ الْجَنَّةِ فِضَّةٌ، لِأَنَّ كُلَّ آنِيَةٍ تُتَّخَذُ، فَإِنَّمَا تُتَّخَذُ مِنْ تُرْبَةِ الْأَرْضِ الَّتِي فِيهَا، فَدَلَّ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِوَصْفِهِ الْآنِيَةَ مَتَى يُطَافُ بِهَا عَلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنَّهَا مِنْ فِضَّةٍ، لِيُعْلِمَ عِبَادَهُ أَنَّ تُرْبَةَ أَرْضِ الْجَنَّةِ فِضَّةٌ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: {قَوَارِيرَ} [النمل: 44] {وسَلَاسِلَ} ، فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ غَيْرَ حَمْزَةَ: {سَلَاسِلًا} [الإنسان: 4] ، {وَقَوَارِيرًا} بِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ وَالتَّنْوِينِ وَكَذَلِكَ هِيَ فِي مَصَاحِفِهِمْ؛ وَكَانَ حَمْزَةُ يُسْقِطُ الْأَلِفَاتِ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، وَلَا يُجْرِي شَيْئًا مِنْهُ؛ وَكَانَ أَبُو عَمْرٍو يُثْبِتُ الْأَلِفَ فِي الْأُولَى مِنْ قَوَارِيرَ، وَلَا يُثْبِتُهَا فِي الثَّانِيَةِ، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدَنَا صَوَابٌ، غَيْرَ أَنَّ الَّذِيَ ذَكَرْتُ عَنْ أَبِي عَمْرٍو أَعْجَبُهُمَا إِلَيَّ، وَذَلِكَ أَنَّ الْأَوَّلَ مِنَ الْقَوَارِيرِ رَأْسُ آيَةٍ، وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ سَائِرِ رُءُوسِ آيَاتِ السُّورَةِ أَعْجَبُ إِلَيَّ إِذْ كَانَ ذَلِكَ بِإِثْبَاتِ الْأَلِفَاتِ فِي أَكْثَرِهَا.
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَوَارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلًا عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {قَوَارِيرَ} [النمل: 44] فِي صَفَاءِ الصَّفَاءِ مِنْ فِضَّةِ الْفِضَّةِ مِنَ الْبَيَاضِ.

الصفحة 556