كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 23)

§وَقَوْلُهُ: {فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا} [المزمل: 19] يَقُولُ: فَمَنْ شَاءَ أَيُّهَا النَّاسُ اتَّخَذَ إِلَى رِضَا رَبِّهِ بِالْعَمَلِ بِطَاعَتِهِ، وَالِانْتِهَاءِ إِلَى أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، سَبِيلًا
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَمَا تَشَاءُونَ} اتِّخَاذَ السَّبِيلِ إِلَى رَبِّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ {إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الأنعام: 111] ذَلِكَ لَكُمْ لِأَنَّ الْأَمْرَ إِلَيْهِ لَا إِلَيْكُمْ؛ وَهُوَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ فِيمَا ذُكِرَ: «وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ» .
§وَقَوْلُهُ: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 11] فَلَنْ يَعْدُوَ مِنْكُمْ أَحَدٌ مَا سَبَقَ لَهُ فِي عِلْمِهِ بِتَدْبِيرِكُمْ.
§وَقَوْلُهُ: {يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ} [الشورى: 8] يَقُولُ: يُدْخِلُ رَبُّكُمْ مَنْ يَشَاءُ مِنْكُمْ فِي رَحْمَتِهِ، فَيَتُوبُ عَلَيْهِ حَتَّى يَمُوتَ تَائِبًا مِنْ ضَلَالَتِهِ، فَيَغْفِرُ لَهُ ذُنُوبَهُ، وَيُدْخِلُهُ جَنَّتَهُ. {وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [الإنسان: 31] يَقُولُ: الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ، فَمَاتُوا عَلَى شِرْكِهِمْ، أَعَدَّ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابًا مُؤْلِمًا مُوجِعًا، وَهُوَ عَذَابُ جَهَنَّمَ. وَنَصَبَ قَوْلَهُ: {وَالظَّالِمِينَ} [الإنسان: 31] لِأَنَّ الْوَاوَ ظَرْفٌ لِأَعَدَّ، وَالْمَعْنَى: وَأَعَدَّ لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا. وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ: «وَلِلظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ» بِتَكْرِيرِ اللَّامِ، وَقَدْ تَفْعَلُ الْعَرَبُ ذَلِكَ، وَيُنْشَدُ لِبَعْضِهِمْ:
[البحر الوافر]
أَقُولُ لَهَا إِذَا سَأَلَتْ طَلَاقًا ... إِلَامَ تُسَارِعِينَ إِلَى فِرَاقِي

الصفحة 578