كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 23)

وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ بِذَلِكَ عَنْهُمَا فِيمَا مَضَى قَبْلُ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ عَامٌّ فِي الْمُطَلَّقَاتِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهُنَّ، لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ، عَمَّ بِقَوْلِهِ بِذَلِكَ فَقَالَ: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] وَلَمْ يُخَصِّصْ بِذَلِكَ الْخَبَرَ عَنْ مُطْلَقَةٍ دُونَ مُتَوَفًّى عَنْهَا، بَلْ عَمَّ الْخَبَرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ أُولَاتِ الْأَحْمَالِ. إِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ قَوْلَهُ {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] فِي سِيَاقِ الْخَبَرِ عَنْ أَحْكَامِ الْمُطَلَّقَاتِ دُونَ الْمُتَوَفَّى عَنْهُنَّ، فَهُوَ بِالْخَبَرِ عَنْ حُكْمِ الْمُطَلَّقَةِ أَوْلَى بِالْخَبَرِ عَنْهُنَّ، وَعَنِ الْمُتَوَفَّى عَنْهُنَّ، فَإِنَّ الْأَمْرَ بِخِلَافِ مَا ظَنَّ، وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ فِي سِيَاقِ الْخَبَرِ عَنْ أَحْكَامِ الْمُطَلَّقَاتِ، فَإِنَّهُ مُنْقَطِعٌ عَنِ الْخَبَرِ عَنْ أَحْكَامِ الْمُطَلَّقَاتِ، بَلْ هُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ عَنْ أَحْكَامِ عَدَدِ جَمِيعِ أُولَاتِ الْأَحْمَالِ الْمُطَلَّقَاتِ مِنْهُنَّ وَغَيْرِ الْمُطَلَّقَاتِ، وَلَا دَلَالَةَ عَلَى أَنَّهُ مُرَادٌ بِهِ بَعْضُ الْحَوَامِلِ دُونَ بَعْضٍ مِنْ خَبَرٍ وَلَا عَقْلٍ، فَهُوَ عَلَى عُمُومِهِ لِمَا بَيَّنَّا
§وَقَوْلُهُ: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق: 4] يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَمَنْ يَخَفِ اللَّهَ فَرَهَبَهُ، فَاجْتَنَبَ مَعَاصِيَهُ، وَأَدَّى فَرَائِضَهُ، وَلَمْ يُخَالِفْ إِذْنَهُ فِي طَلَاقِ امْرَأَتِهِ، فَإِنَّهُ يَجْعَلُ اللَّهُ لَهُ مِنْ طَلَاقِهِ ذَلِكَ يُسْرًا، وَهُوَ أَنْ يُسَهَّلَ عَلَيْهِ إِنْ أَرَادَ الرُّخْصَةَ لِاتِّبَاعِ نَفْسِهِ إِيَّاهَا الرَّجْعَةَ مَا دَامَتْ فِي عِدَّتِهَا وَإِنِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، ثُمَّ دَعَتْهُ نَفْسُهُ إِلَيْهَا قَدَرَ عَلَى خِطْبَتِهَا.
§الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ -[59]- عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا} [الطلاق: 5] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هَذَا الَّذِي بَيَّنْتُ لَكُمْ مِنْ حُكْمِ الطَّلَاقِ وَالرَّجْعَةِ وَالْعِدَّةِ، أَمْرُ اللَّهِ الَّذِي أَمَرَكُمْ بِهِ، أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ، لِتَأْتَمِرُوا لَهُ، وَتَعْمَلُوا بِهِ.

الصفحة 58