كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 24)
حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {ثُمَّ §السَّبِيلَ يَسَّرَهُ} [عبس: 20] قَالَ: هَدَاهُ لِلْإِسْلَامِ الَّذِي يَسَّرَهُ لَهُ، وَأَعْلَمَهُ بِهِ، وَالسَّبِيلُ سَبِيلُ الْإِسْلَامِ وَأَوْلَى الْتَأْوِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: ثُمَّ الطَّرِيقَ، وَهُوَ الْخُرُوجُ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ يَسَّرَهُ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى الْتَأْوِيلَيْنِ بِالصَّوَابِ، لِأَنَّهُ أَشْبَهَهُمَا بِظَاهِرِ الْآيَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْخَبَرَ مِنَ اللَّهِ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا عَنْ صِفَتِهِ خَلْقَهُ، وَتَدْبِيرِهِ جِسْمَهُ، وَتَصْرِيفِهِ إِيَّاهُ فِي الْأَحْوَالِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ أَوْسَطَ ذَلِكَ نَظِيرُ مَا قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ
§وَقَوْلُهُ: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} [عبس: 21] يَقُولُ: ثُمَّ قَبَضَ رُوحَهُ، فَأَمَاتَهُ بَعْدَ ذَلِكَ. يَعْنِي بِقَوْلِهِ: {أَقْبَرَهُ} : صَيَّرَهُ ذَا قَبْرٍ، وَالْقَابِرُ: هُوَ الدَّافِنُ الْمَيِّتَ بِيَدِهِ، كَمَا قَالَ الْأَعْشَى:
[البحر السريع]
لَوْ أَسْنَدَتْ مَيْتًا إِلَى نَحْرِهَا ... عَاشَ وَلَمْ يُنْقَلْ إِلَى قَابِرِ
وَالْمُقْبِرُ: هُوَ اللَّهُ، الَّذِي أَمَرَ عِبَادَهُ أَنْ يُقْبِرُوهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَصَيَّرَهُ ذَا قَبْرٍ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ فِيمَا ذُكِرَ لِي: بَتَرْتُ ذَنَبَ الْبَعِيرِ، وَاللَّهُ أَبْتَرَهُ؛ وَعَضَبْتُ قَرْنَ الثَّوْرِ وَاللَّهُ أَعْضَبَهُ؛ وَطَرَدْتُ عَنِّي فُلَانًا، وَاللَّهُ أْطَرَدَهُ، صَيَّرَهُ طَرِيدًا
الصفحة 113