كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 24)

عَطَاءً الَّذِي أَعْطَاهُمْ، عَمِلُوا لَهُ وَاحِدَةً، فَجَزَاهُمْ عَشْرًا، وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160] وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} قَالَ: يَزِيدُ مَنْ يَشَاءُ، كَانَ هَذَا كُلُّهُ عَطَاءً، وَلَمْ يَكُنْ أَعْمَالًا يَحْسِبُهُ لَهُمْ، فَجَزَاهُمْ بِهِ حَتَّى كَأَنَّهُمْ عَمِلُوا لَهُ، قَالَ: وَلَمْ يَعْمَلُوا إِنَّمَا عَمِلُوا عَشْرًا، فَأَعْطَاهُمْ مِائَةً، وَعَمِلُوا مِائَةً، فَأَعْطَاهُمْ أَلْفًا، هَذَا كُلُّهُ عَطَاءٌ، وَالْعَمَلُ الْأَوَّلُ، ثُمَّ حَسَبَ ذَلِكَ حَتَّى كَأَنَّهُمْ عَمِلُوا، فَجَزَاهُمْ كَمَا جَزَاهُمْ بِالَّذِي عَمِلُوا
§وَقَوْلُهُ: {رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ} يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ رَبِّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْخَلْقِ وَاخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأْتُهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ: (رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنُ) بِالرَّفْعِ فِي كِلَيْهِمَا. وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ: {رَبِّ} [الفاتحة: 2] خَفْضًا، وَ (الرَّحْمَنُ) رَفْعًا، وَلِكُلِّ ذَلِكَ عِنْدَنَا وَجْهٌ صَحِيحٌ، فَبِأَيِّ ذَلِكَ قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ، غَيْرَ أَنَّ الْخَفْضَ فِي الرَّبِّ لِقُرْبِهِ مِنْ قَوْلِهِ {جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ} [النبأ: 36] أَعْجَبُ إِلَيَّ، وَأَمَّا (الرَّحْمَنُ) بِالرَّفْعِ، فَإِنَّهُ أَحْسَنُ، لِبُعْدِهِ مِنْ ذَلِكَ
§وَقَوْلُهُ: {الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا} [النبأ: 37] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: -[46]- الرَّحْمَنُ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ خِطَابَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ مِنْهُمْ، وَقَالَ صَوَابًا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ الْتَأْوِيلِ

الصفحة 45