كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 24)

فَاكْتَفَى بِاللَّامِ دَلِيلًا عَلَى التَّعَجُّبِ مِنْ إِظْهَارِ الْفِعْلِ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ: أَغَرَّكَ أَنْ قَالُوا: اعْجَبُوا لِقُرَّةَ شَاعِرًا، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {لِإِيلَافِ} [قريش: 1] وَأَمَّا الْقَوْلُ الَّذِي قَالَهُ مَنْ حَكَيْنَا قَوْلَهُ، أَنَّهُ مِنْ صِلَةِ قَوْلِهِ: {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} [الفيل: 5] فَإِنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ، لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ لِإِيلَافِ بَعْضُ أَلَمْ تَرَ وَأَنْ لَا تَكُونَ سُورَةً مُنْفَصِلَةً مِنْ أَلَمْ تَرَ، وَفِي إِجْمَاعِ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّهُمَا سُورَتَانِ تَامَّتَانِ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُنْفَصِلَةٌ عَنِ الْأُخْرَى، مَا يُبَيِّنُ عَنْ فَسَادِ الْقَوْلِ الَّذِي قَالَهُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ قَوْلُهُ {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ} [قريش: 1] مِنْ صِلَةِ قَوْلِهِ: {فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} [الفيل: 5] لَمْ تَكُنْ أَلَمْ تَرَ تَامَّةً حَتَّى تُوصَلَ بِقَوْلِهِ {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ} [قريش: 1] لِأَنَّ الْكَلَامَ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِانْقِضَاءِ الْخَبَرِ الَّذِي ذُكِرَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثنا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثني مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: " {§إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ} [قريش: 2] يَقُولُ: لُزُومُهُمْ "
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثني أَبِي قَالَ: ثني عَمِّي قَالَ: ثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: " {§لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ} [قريش: 1] قَالَ: نَهَاهُمْ عَنِ الرِّحْلَةِ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ، وَكَفَاهُمُ الْمُؤْنَةَ، وَكَانَتْ رِحْلَتُهُمْ فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ رَاحَةٌ فِي شِتَاءٍ وَلَا صَيْفٍ، فَأَطْعَمَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ جُوعٍ، -[651]- وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ، وَأَلِفُوا الرِّحْلَةَ، فَكَانُوا إِذَا شَاءُوا ارْتَحَلُوا، وَإِذَا شَاءُوا أَقَامُوا، فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ نِعْمَةِ اللهِ عَلَيْهِمْ "

الصفحة 650