كتاب تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (اسم الجزء: 24)

{§وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا} [النبأ: 7] يَقُولُ: وَالْجِبَالَ لِلْأَرْضِ أَوْتَادًا أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ.
{§وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا} [النبأ: 8] ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا، وَطُوَالًا وَقِصَارًا، أَوْ ذَوِي دَمَامَةٍ وَجَمَالٍ، مِثْلُ قَوْلِهِ: {الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصافات: 22] يَعْنِي بِهِ: صَيَّرْنَاهُمْ.
{§وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا} [النبأ: 9] يَقُولُ: وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ لَكُمْ رَاحَةً وَدَعَةً، تَهْدَءُونَ بِهِ وَتَسْكُنُونَ، كَأَنَّكُمْ أَمْوَاتٌ لَا تَشْعُرُونَ، وَأَنْتُمْ أَحْيَاءُ لَمْ تُفَارِقْكُمُ الْأَرْوَاحُ؛ وَالسَّبْتُ وَالسُّبَاتُ: هُوَ السُّكُونُ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَ السَّبْتُ سَبْتًا، لِأَنَّهُ يَوْمُ رَاحَةٍ وَدَعَةٍ.
{§وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا} [النبأ: 10] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لَكُمْ غِشَاءً يَتَغَشَّاكُمْ سَوَادُهُ، وَتُغَطِّيكُمْ ظُلْمَتُهُ، كَمَا يُغَطِّي الثَّوْبُ لَابِسَهُ، لِتَسْكُنُوا فِيهِ عَنِ التَّصَرُّفِ لِمَا كُنْتُمْ تَتَصَرَّفُونَ لَهُ نَهَارًا؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
[البحر الطويل]
فَلَمَّا لَبِسْنَ اللَّيْلَ أَوْ حِينَ نَصَّبَتْ ... لَهُ مِنْ خَذَا آذَانِهَا وَهُوَ دَالِحُ
يَعْنِي بِقَوْلِهِ لَبِسْنَ اللَّيْلَ: أُدْخِلْنَ فِي سَوَادِهِ فَاسْتَتَرْنَ بِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ الْتَأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثنا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ قَتَادَةَ، {§وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا} [النبأ: 10] قَالَ: سَكَنًا
§وَقَوْلُهُ: {وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا} [النبأ: 11] يَقُولُ: وَجَعَلْنَا النَّهَارَ لَكُمْ ضِيَاءً لِتَنْتَشِرُوا -[10]- فِيهِ لِمَعَاشِكُمْ، وَتَتَصَرَّفُوا فِيهِ لِمَصَالِحِ دُنْيَاكُمْ، وَابْتِغَاءِ فَضْلِ اللَّهِ فِيهِ، وَجَعَلَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ النَّهَارَ إِذْ كَانَ سَبَبًا لِتَصَرُّفِ عِبَادِهِ لِطَلَبِ الْمَعَاشِ فِيهِ مَعَاشًا، كَمَا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ:
[البحر الكامل]
وَأَخُو الْهُمُومِ إِذَا الْهُمُومُ تَحَضَّرَتْ ... جُنْحَ الظَّلَامِ وِسَادُهُ لَا يَرْقُدُ
فَجَعَلَ الْوِسَادَ هُوَ الَّذِي لَا يَرْقُدُ، وَالْمَعْنَى لِصَاحِبِ الْوِسَادِ.

الصفحة 9