كتاب تاج العروس (اسم الجزء: 1)

نفعُه بِمَا اشتملَ عَلَيْهِ، وغَنِي مَا فِيهِ عَن غَيره وافتقر غيرُه إِلَيْهِ، وَجمع من الشواهد والأدلّة مَا لم يَجمَعْ مِثلُه مِثلَه، لِأَن كل واحِدٍ من الْعلمَاء انْفَرد بقول رَوَاهُ، أَو سَماعٍ أَدّاه، فَصَارَت الفوائدُ فِي كتبهمْ مُفرَّقة، وسارت أنجمُ الْفَضَائِل فِي أفلاكِها، هَذِه مُغرّبةٌ وَهَذِه مُشرِّقة، فَجمعت مِنْهَا فِي هَذَا الشرحِ مَا تَفرَّق، وقرنت بَين مَا غرَّب مِنْهَا وَبَين مَا شرَّق، فانتظم شَمْلُ تِلْكَ الأُصول والموادّ كُلِّها فِي هَذَا الْمَجْمُوع، وَصَارَ هَذَا بمنزِلةِ الأَصْل وأُولئك بِمَنْزِلَة الْفُرُوع، فجاءَ بِحَمْد الله تَعَالَى وَفْقَ البُغْيَة، وَفَوق المُنْيَة، بديعَ الإتقان، صحيحَ الْأَركان، سليما من لفظةِ لَو كَانَ، حَللْتُ بِوَضْعِهِ ذِرْوَة الحُفّاظ، وحَللت بجمعه عُقدةَ الأَلفاظ، وَأَنا مَعَ ذَلِك لَا أَدّعي فِيهِ دَعْوَى فأَقول: شافَهْتُ، أَو سَمِعت، أَو شَددْتُ، أَو رحَلت، أَو أَخطأَ فلانٌ أَو أَصاب، أَو غَلِطَ القائلُ فِي الْخطاب، فكلُّ هَذِه الدَّعاوَى لم يَترك فِيهَا شيخُنا لقائلٍ مقَالا، وَلم يُخْلِ لأَحدٍ فِيهَا مَجالا، فَإِنَّهُ عُنِيَ فِي شرْحه عَمَّن رَوى، وبَرْهن عَمَّا حَوَى، ويَسَّر فِي خَطْبِه فادَّعى، ولعمري لقد جَمع فأَوْعَى، وأتى بالمقاصد ووَفى، وَلَيْسَ لي فِي هَذَا الشَّرْح فضيلةٌ أَمُتُّ بهَا، وَلَا وَسِيلَة أَتمسّك بهَا، سوى أنني جمعتُ فِيهِ مَا تفرّق فِي تِلْكَ الكُتب من مَنْطُوق وَمَفْهُوم، وبسطتُ القولَ فِيهِ وَلم أَشبَعْ باليسير وطالبُ العِلم مَنهوم، فَمن وَقف فِيهِ على صَوابٍ أَو زلل، أَو صِحّة أَو خَلل، فعُهدتُه على المصنِّف الأول، وحَمْدُه وذمُّه لأَصلِه الَّذِي عَلَيْهِ المُعوَّل، لِأَنِّي عَن كلِّ كتابٍ نَقلتُ مَضمونه، فَلم أُبدِّل شَيْئا فَيُقَال {فَإِنَّمَا إثمه على الَّذين يبدلونه} بل أَدَّيت الأَمانة فِي شرح الْعبارَة بالفَصّ، وأوردتُ مَا زِدت على المؤلِّف بالنَّص، وراعيت مناسَباتِ مَا ضَمَّنه من لُطف الْإِشَارَة، فَلْيُعَدِّ من يَنقُل عَن شَرحي هَذَا عَن تِلْكَ الأُصول وَالْفُرُوع، وليستغْن بالاستضواءِ بدُرِّيِّ بَيَانه الملموع، فالناقلُ عَنهُ يَمُدّ باعَه ويُطلق لسانَه،

الصفحة 10