كتاب تاج العروس (اسم الجزء: 1)
فِي {- النَّبِيءِ إِذا هُوَ مُطَاوع نَبَّأَ كَقَوْل زَيَّنَه فَتَزَيَّنَ وحَلاَّه فَتَحلَّى (وجَمَّلَه فَتَجمَّل) لَكِن لمَّا تُعُورفَ فِيمَن يَدَّعي النبُوَّة كَذِباً جُنِّبَ استعْمَالُه فِي المُحِقّ وَلم يُسْتَعْمَل إِلاَّ فِي المُتَقَوِّلِ فِي دَعْوَاهُ. (وَمِنْه} المُتَنَبّىءُ) أَبو الطَّيِّبِ الشاعرُ (أَحمدُ بنُ الحُسينِ) بن عبد الصَّمد الجُعْفِيّ الكِنْدِيّ، وَقيل مَوْلاَهم، أَصلُه من الكُوفة (خَرَج إِلى بَني كَلْب) ابْن وَبرَة من قُضَاعة بأَرض السَّمَاوَة، وتَبِعه خلْقٌ كثيرٌ، وَوضع لَهُم أَكاذيبَ (وادَّعَى) أَوَّلاً (أَنَّه حَسَنِيّ) النّسَب ثمَّ ادَّعَى النُّبُوَّةَ فشُهِدَ) بِالضَّمِّ (عَلَيْهِ بالشأْم) يَعْنِي دِمَشْقَ (وحُبِسَ دَهْراً) بِحِمْصِ حِين أَسرَه الأَميرُ لُؤْلُؤٌ نَائِب الإِخشيد بهَا، وفَرَّق أَصحابَه، وادَّعى عَلَيْهِ بِمَا زَعمه فأَنكر (ثُمَّ اسْتُتِيبَ) وكَذَّب نَفْسه (وأُطْلِقَ) من الحَبْس وطَلَب الشِّعْرَ فقاله وأَجاد، وفاقَ أَهلَ عَصْرِه، واتصلَ بِسَيْفِ الدَّوْلَةِ بنِ حَمْدَانَ، فمدَحه، وَسَار إِلى عَضُد الدَّوْلَة بفارِس، فمدحه، ثمَّ عَاد إِلى بغدادَ فقُتِل فِي الطّريق بقُرْبِ النَّعْمَانية سنة 354 فِي قِصّةٍ طويلةٍ مَذكورة فِي مَحلّها، وَقيل: إِنما لُقِّب بهِ لِقُوَّة فَصاحَته، وشِدَّةِ بلاغته، وكَمَالِ مَعرفته، وَلذَا قيل:
لَزْ يَرَ النَّاسُ ثَانِيَ {- المُتَنَبِّي
أَيُّ ثَانٍ يُرَى لِبِكْر الزَّمَانِ
هُوَ فِي شِعْرِه نَبِيٌّ ولكِنْ
ظَهَرْتْ مُعْجِزِاتُه فِي المَعَانِي
وَكَانُوا يُسمُّونه حَكيمَ الشعراءِ، وَالَّذِي قَرَأْتُ فِي شَرْحِ الواحدي نقلا عَن ابنِ جِنّي أَنه إِنما لُقِّب بقوله:
أَنَا فِي أُمَّةٍ تَدَارَكَها اللَّهُ
غَرِيبٌ كَصَالِحٍ فِي ثَمُودِ
(ونَبَأَ كمنَع} نَبْأً {ونُبُوءًا: ارْتَفع) قَالَ الفَرَّاء: النَّبِيُّ هُوَ من أَنْبأَ عَن الله، فتُرِك همزُه، قَالَ: وإِن أُخِذَت من} النُّبُوَّة! والنَّبَاوَة وَهِي الِارْتفَاع (عَن
الصفحة 446