كتاب التحقيقات على شرح الجلال للورقات

أقول:
إنما اقتصر الإمام الجويني على البسملة دون الحمدلة تأسياً بأول ما نزل من القرآن {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: ١]، قال الحافظ: فطريق التأسي به الافتتاح بالبسملة والاقتصار عليها ... ويؤيده وقوع كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الملوك، وكتبه في القضايا مفتتحة بالتسمية دون حمدلة وغيرها.
كما في حديث أبي سفيان في قصة هرقل (¬١) ... ، وحديث البراء في قصة سهيل ابن عمرو في صلح الحديبية (¬٢)، وغير ذلك من الأحاديث.
وهذا يشعر بأن لفظ الحمد والشهادة إنما يحتاج إليه في الخطب، دون الرسائل والوثائق، و"تصانيف الأئمة من شيوخ البخاري، وشيوخ شيوخه، وأهل عصره كمالك في الموطأ، وعبد الرزاق في المصنف، وأحمد في المسند، وأبي داود في السنن، إلى ما لا يحصى ممن لم يقدم في ابتداء تصنيفه خطبة ولم يزد على التسمية، وهم الأكثر، والقليل منهم افتتح كتابه بخطبة ... وقد استقر عمل الأئمة المصنفين افتتاح كتب العلم بالبسملة وكذا معظم كتب الرسائل" ا. هـ كلام الحافظ رحمه الله (¬٣).
وقد جرى السلف في تصانيفهم على الحمد والصلاة، والسلام لفظاً، والاكتفاء بالبسملة في الكتابة، ويؤيده ما رواه الخطيب في الجامع عن أحمد أنه كان يتلفظ بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إذا كتب الحديث، ولا يكتبها.
والحامل لهم على ذلك إسراع أو غيره، أو يحمل على أنهم رأوا ذلك مختصاً بالخطب دون الكتب (¬٤)، وأيضاً فإن الابتداء ببسم الله الرحمن الرحيم كاف مع ما رتب عليه
---------------
(¬١) صحيح البخاري، برقم: ٧.
(¬٢) صحيح البخاري، برقم: ٢٧٣١.
(¬٣) فتح الباري على البخاري ١/ ٨١ بتصرف
(¬٤) المصدر السابق.

الصفحة 6