كتاب تاريخ العرب وحضارتهم في الأندلس

العصور. فمثلما نجد أثر اللغة العربية في اللغة العلمية لأوروبا، نجدها في الحياة المعيشية أيضاً، وهذا يدل على مدى تغلغل الحضارة العربية في شؤون المعيشة اليومية التي تلازم المرء في داره، وفي موطن عمله، كما تلازمه في جده ولهوه (¬48).
وبعد ذلك بدأ في أوروبا عصر الاستقلال الفكري والانطلاق الأوروبي في أواخر القرن الخامس عشر وأوائل القرن السادس عشر، وذلك بظهور طائفة من العلماء اللاتين استطاعت ابتكاراتهم العلمية أن تبدأ عصراً علمياً جديداً في أوروبا طابعه الابتكار والتجديد، أمثال (كوبرنيكوس) و (ليونارد و دافنشي) و (باراسيلوس) وغيرهم (¬49).
ومن الملاحظ أن أوروبا في بداية عصر النهضة اتخذت موقفاً معادياً لعلوم العرب، وبدأت تظهر بواكير حركة لهجر مؤلفاتهم. إلا أنها عادت مرة ثانية في بداية القرن الثامن عشر إلى علوم العرب بعد أن أدركت خطأ رجوعها إلى علوم اليونان، أو استقلالها العلمي، ولكن بطريقة استقلالية لتكمل النقص الذي لا زالت ثغراته في حاجة إلى سدها من علوم العرب (¬50).
لا ينكر أن دخول الأندلس وصقلية وجنوبي إيطاليا ضمن العالم الإسلامي جعلها مراكز حضارية راقية للفكر العربي. فعن طريقها خلال العصر الإسلامي وبعده، أثر الفكر العربي بالفكر الأوروبي، وذلك للقرب الجغرافي بين هذه المناطق وأوروبا. حيث لا يفصل الأندلس عن بقية أوروبا سوى جبال البرتات، مع العلم أن المسلمين عبروا هذه الجبال وفتحوا مناطق في فرنسا كانت ضمن دولة العرب في الأندلس لفترة من الزمن، كما أن صقلية وجنوبي إيطاليا مرتبطة ارتباطاً مباشراً ببقية شبه الجزيرة الإيطالية.
إضافة إلى الاتصال والاحتكاك العسكري والحضاري الذي كان سائداً بين بلاد أوروبا وبين هذه الواحات الفكرية العربية القريبة منها، أو اتصالها بالمشرق الإسلامي عن طريق الحروب الصليبية. وهذا مع العلم بأن أوروبا كانت جادة بأنها إذا أرادت التقدم والتطور عليها أن تتصل بمراكز الفكر والحضارة العربية، ولهذا كان أثر الفكر العربي في الفكر الأوروبي واضحاً (¬51).
¬_______
(¬48) ينظر، جلال مظهر، حضارة الإسلام، ص 533 - لوبون، حضارة العرب، ص 534 - عز الدين فراج، فضل علماء المسلمين، ص 103، ص 128.
(¬49) السامرائي، دراسات، ص 408 - 409.
(¬50) أوليري، الفكر العربي، ص 249 - جلال مظهر، حضارة الإسلام، ص 533.
(¬51) السامرائي، دراسات، ص 409.

الصفحة 488