كتاب التحصين من كيد الشياطين

إِخْوَانِهِ النَّبِيِّينَ، وَآلِ كُلٍّ، وَسَائِرِ الصَّالِحِينَ؛ المُقْتَدِينَ بِهُدَاهُمْ، وَالْمُقْتَفِينَ أَثَرَهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ لَمَّا تَوَالَتْ فِتَنُ الأَْعْمَالِ الْبَاطِلَةِ عَلَى قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ، وَعُرِضَتْ عَلَيْهَا كَالْحَصِيرِ عُوداً عُوداً، وَزَاغَ كَثِيرٌ مِنْهَا عَنِ الْحَقِّ، وَكَثُرَ اشْتِغَالُ النَّاسِ بِمَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنْفَعُهُمْ، وَبَاعُوا آخِرَتَهُمْ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا قَلِيلٍ، وَأَعْرَضُوا عَمَّا جَاءَ فِي التَّنْزِيلِ، وَاسْتَبْدَلُوا الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَصَارَتْ طِلَسْمَاتُ السَّحَرَةِ الأَْشْرَارِ، وَتَعَاوِيذُ الْكَهَنَةِ الْفُجَّارِ، مُقَدَّمَةً لَدَيْهِمْ عَلَى كَلاَمِ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ الأَْبْرَارِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تَعَاقَبَ لَيْلٌ وَنَهَارٌ، رَأَيْتُ أَنَّ مِنْ وَاجِبِي، مَحَبَّةً ِلأَهْلِ الإِْسْلاَمِ وَذَبّاً عَنْ حِيَاضِهِ الْمُطَهَّرَةِ، أَنْ أُبَيِّنَ عَوَارَ أَهْلِ الزَّيْغِ وَالضَّلاَلِ، وَقَدِ اسْتَفْحَلَ خَطَرُهُمْ وَاسْتَشْرَى كَيْدُهُمْ، وَكَادَ - لَوْلاَ لُطْفِ اللهِ بِهذِهِ الأُْمَّةِ الْمُكْرَمَةِ - أَنْ يَدُكَّ حِصْنَ تَوْحِيدِهَا، وَأَنْ يَزِلَّ قَدَمَهَا بَعْدَ ثُبُوتِهِا، فَإِنَّكَ تَكَادُ لاَ تَجِدُ بَيْتاً أَوْ نَادِياً إِلاَّ تَعَلَّقَ أَهْلُهُ شَيْئاً وَلَوْ خَيْطاً، أَوْ تَمَسَّكُوا بِأَهْدابِ مُشَعْوِذٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فَأَقَلُّهُ أَنْ يَكُونُوا قَدْ قَرَؤُوا فُنْجَاناً، أَوِ اسْتَبْشَرُوا بِمَطْلِعِ نَجْمٍ، وَتَشَاءَمُوا بِأُفُولِهِ، أَوْ كَرِهُوا رَقْماً وَأَحَبُّوا آخَرَ، حَتَّى صَارَتْْ ((مَوَاقِعُ الْفِتَنِ خِلاَلَ بُيُوتِهِمْ كَمَوَاقِعِ الْقَطْرِ)) (¬1) ، لِذَلِكَ كُلِّهِ فَقَدِ اسْتَخَرْتُ اللهَ تَعَالَى فِي إِجَابَةِ مَنْ دَعَانِي لِبَيَانِ مَا يُحَصِّنُ الْمُؤْمِنَ وَيَكْفِيهِ - بِإِذْنِ
¬_________
(¬1) جزء من حديث أخرجه البخاري، كتاب أبواب فضائل المدينة، باب: آطام المدينة، برقم (1878) ، عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما، ومسلمٌ؛ كتاب: الفتن، باب نزول الفتن كمواقع القطر، برقم (2885) ، عنه أيضاً، والقَطْر: هو المطر.

الصفحة 4