كتاب توضيح مقاصد العقيدة الواسطية

لا، كل أحد يمكن أن يكلم الله، أنت تكلم الله، وتناجيه "إذا كان أحدكم في الصلاة فإنه يناجي ربه " (¬1) الداعي يكلم ربه يقول: يا رب، يا رب، لكن خصوصية موسى في أن الله كلمه، ولا يستطيع مبطل معطل أن يبطل هذه الأدلة يقول: وكلم اللهَ،؛ لأن كلام الله محفوظ في الصدور، وفي المصاحف {لَا يَاتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [(42) سورة فصلت].
وهذا التكليم بيّن اللهُ أنه كان مناداة، ومناجاة، كما في آية سورة مريم {وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} فالله تعالى نادى موسى، ونادى الأبوين ـ آدم وحواء ـ من قبل لما عصيا، وخالفا أمر الله، وارتكبا ما نُهيا عنه {فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ * قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ.} [(22 - 23) سورة الأعراف] وكذلك سبحانه وتعالى ينادي المشركين يوم القيامة توبيخا لهم {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} [(62) سورة القصص] ويخاطب الرسل {يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ} [(109) سورة المائدة] وفي الحديث "ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان" (¬2).
فالله تعالى لم يزل، ولا يزال متكلما، إذا شاء بما شاء، وكيف شاء، ويكلم من شاء من عباده من: ملائكته، ورسله، وعباده، وسائر الخلق، ومن كلامه الكتب، ومنها القرآن، فالقرآن كلام الله {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} هو كلام الله كيفما تصرف غير مخلوق، محفوظ في الصدور، ومسموع بالآذان ومقروء بالألسنة، ومكتوب في المصاحف؛ كله كلام الله.
¬__________
(¬1) [رواه البخاري (405)، ومسلم (551) من حديث أنس - رضي الله عنه -]
(¬2) [رواه البخاري (7443)، ومسلم (1016) من حديث عدي بن حاتم - رضي الله عنه -].

الصفحة 122