كتاب توضيح مقاصد العقيدة الواسطية

وهذه السورة فيها نفي وإثبات؛ فهي جارية على القاعدة.
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ} إثبات {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} هذه ثلاث جُمَل كلها دالة على نفي.
ودلت هذه السورة على اسمين من أسمائه الحسنى: "الأحد، والصمد"، وهذان الاسمان لم يذكرا في غير هذه السورة، فأما اسمه "الأحد" فيدل على وحدانيته، وهو يتضمن نفي الشريك، والشبيه فلا شريك له، ولا شبيه، واسمه "الصمد" فُسِّر بأنه الذي لا يأكل ولا يشرب، وهو تعالى لا يأكل ولا يشرب؛ لأن هذا هو موجب غناه فهو الغني سبحانه وتعالى بذاته عن كل ما سواه، والآكل والشارب مفتقر إلى ما يأكل وما يشرب وهو سبحانه الذي {يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ َ} [(14) سورة الأنعام]، وهو الذي يرزق {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [(58) سورة الذاريات].
وقيل: معنى الصمد: الذي تصمد إليه الخلائق في حوائجها، وهذا من لوازم غناه وفَقْر العباد {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [(15) سورة فاطر].
وجاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:" السيد الذي قد كَمُل في سؤدده، والشريف الذي قد كمل في شرفه، والعظيم الذي قد عظم في عظمته، والحليم الذي قد كمل في حلمه، والغني الذي قد كمل في غناه، والجبار الذي قد كمل في جبروته، والعالم الذي قد كمل في علمه، والحكيم الذي قد كمل في حكمته، وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد، وهو الله سبحانه هذه صفته لا تنبغي إلا له (¬1).
¬__________
(¬1) [تفسير الطبري 15/ 346، وفتاوى ابن تيمية 8/ 149 - 150].

الصفحة 43