كتاب توضيح مقاصد العقيدة الواسطية

وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} يشمل كل رطب ويابس؛ لأن هذه كلها نكرات في سياق النفي، والنكرة في سياق النفي تعم.
كل هذه الدقائق وكل هذه المخلوقات معلومة للرب سبحانه وتعالى، والله محيط بها، وهي مثبتة في الكتاب المبين ـ كتاب المقاديرـ.
وقوله تعالى {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ} أنثى من بني آدم، أو غيرهم من الأحياء أيُّ أنثى. {وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ} كل ذلك قد أحاط به علمه، وكتابه.
فكل هذه الآيات دالة على إثبات علمه سبحانه وتعالى، وأنه الموصوف بالعلم المحيط بكل شيء فهو تعالى: العليم، والعلم صفته، وعلمه لا يعزب عنه شيء.
قال تعالى {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَاتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَاتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ} [(3) سورة سبأ]، وفيها دليل على إحاطة علمه بكل صغير، وكبير؛ بالجزئيات، ودقائق المخلوقات خلافا للملاحدة الذين يقولون: إنه لا يعلم الأشياء إلا بعد وجودها، أو لا يعلم الجزئيات، وإنما يعلم المعاني الكلية.
وفي هذه الآيات رد عليهم.
بل يعلم سبحانه وتعالى ما كان، وما يكون، وما لا يكون لو كان كيف يكون، كما قال تعالى {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} [(28) سورة الأنعام] والمعطِّلة؛ كالجهمية، والمعتزلة، والفلاسفة ينفون صفة العلم عن الله، وهذا إلحاد في أسماء الله تعالى، وصفاته، وتنقص لرب العالمين، فإذا كان المخلوق يوصف بالعلم؛ فكيف لا يوصف الخالق وهو أحق بكل كمال؟
فعلمه تعالى ثابت بالعقل، وبالسمع أي: النصوص الشرعية.
وقد نبه سبحانه وتعالى على الدليل العقلي في مواضعَ منها قوله تعالى:

الصفحة 53