كتاب توضيح مقاصد العقيدة الواسطية

الْمَتِينُ} ففي هذه الآية إثبات اسم من أسماء الله الحسنى، وهو الرزاق. والرزاق: صيغة تدل على كمال الرَّزق، وكثرته.
فكل ما يحصل للعباد من رِزق مادي، أو معنوي من: علم، أو مال، أو أي منفعة فمنه سبحانه.
{وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [(60) سورة العنكبوت]
والنصوص المفسِّرة لهذا الاسم، والمفصِّلة له كثيرة فهو تعالى: خير الرازقين {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ} [(53) سورة النحل] فكل ما يتقلب فيه العباد من النعم، فهي منه سبحانه هو الذي أعانهم عليها، وأمدهم بها.
والله تعالى هو: الرزاق، وما يحصل على أيدي الناس من رزق فهم فيه أسباب فقط.
فالإنسان يَرزُق أولادَه، يكد، ويكدح، وينفق عليهم، قال تعالى {وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ} [(5) سورة النساء] أمر برزقهم يعني: بالإنفاق عليهم.
لكن الرزَّاق حقيقة، والمطعِم حقيقة هو: الله.
وقد دلَّت هذه الآية أيضا على صفة من صفاته، وهي القوة {ذو القوة} القوة التي لا تشبه قوى المخلوق، فالمخلوق يوصف بالقوة، قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً} [(54) سورة الروم] ولكن ليست قوة المخلوق كقوة الخالق تعالى؛ فهو القوي، ومن أسمائه القوي، ومن صفاته القوة، فهو ذو القوة المتين ـ يعني ـ: الشديد القوة. {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} [(15) سورة فصلت] فيجب الإيمان بذلك، والإيمان بهذه الأسماء له آثاره السلوكية إذا علم الإنسان أن كلَّ الخير بيده، وأنه لا مانع لما أعطى،

الصفحة 56