كتاب توضيح مقاصد العقيدة الواسطية

ولا مُعطي لما مَنَع توجه بقلبه لربه في كل حوائجه، فهو الذي لا يأتي بالحسنات إلا هو، ولا يدفع السيئات إلا هو يوجب له ذلك الرغبة إلى الله، ورجاءه، وتوكله عليه في حصول الخير، ومنافع الدنيا، والآخرة.
وإذا علم العبد أنه تعالى: القوي، وأنه ذو القوة أيضاً ازداد تعظيما لربه، ورجاء له، وخوفا منه، فقوته لا يقاومها قوة، ولا يعتريها ضعف.
ومن هذه الآيات قوله تعالى: {إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} [(58) سورة النساء] وقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [(11) سورة الشورى] نفي وإثبات {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} هذا نفي مجمَل، نفي للمثيل عن الله فلا شيء مثله، ليس شيء في الوجود مثله لا في علمه، ولا في سمعه، ولا في بصره، ولا في قدرته، ولا في رزقه، ولا في قوته، ولا في عزته {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} فيه إثبات اسمين من أسماء الله الحسنى، فهو السميع وهو البصير.
وفي هذا إثبات لصفتين من صفات الله: السمع والبصر، فهو: السميع، وهو ذو سمع؛ خلافًا للمعطِّلة الذين ينفون أسماءه، أو يعطلون صفاته، كالمعتزلة الذين يقولون: سميع بلا سمع، بصير بلا بصر، وهذا جهل وضلال، وإلحاد في أسماء الله، بل هو سميع بسمع، وسمعه واسع لجميع الأصوات {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [(80) سورة الزخرف] {مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ} [(7) سورة المجادلة] مهما أسرَّ الإنسان في حديثه، ومحادثته، ومهما تناجى المتناجون، فالله يسمع نجواهم، ويعلم ما جرى بينهم.
وسَمعُ اللهِ ليس كسمع المخلوق، سمع المخلوق محدود، وموهوب له من الله.
أما سمع الخالق؛ فليس بمخلوق سمعه تعالى صفة ذاتية له لم

الصفحة 57