كتاب توضيح مقاصد العقيدة الواسطية

وتنفرد الإرادة الشرعية في إيمان الكافر، فالكافر مطلوب منه الإيمان لكنه لم يحصل، فهو مراد لله شرعا، لكنه غير مراد كونا، إذ لو شاء الله لاهتدى {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعا} [(99) سورة يونس]، وكذلك الطاعة التي أُمِرَ بها العبد، ولم يفعلها مرادة لله شرعا، لكنها لم تتعلق بها الإرادة الكونية؛ إذ لو تعلقت بها الإرادة الكونية لحصلت.
وتنفرد الإرادة الكونية في كفر الكافر ومعصية العاصي.
الثاني: أن الإرادة الكونية لا يتخلف مرادها أبدا، أما الإرادة الشرعية فقد يقع مرادها، وقد لا يقع، فالله أراد الإيمان من الناس كلهم أراده شرعا ـ يعني ـ أمرهم به، وأحب ذلك منهم، ولكن منهم من آمن، ومنهم من كفر.
هذا ما يتعلق بالآيات التي ذكر المؤلف، وكلها فيها إثبات الإرادة: إما الإرادة الكونية، أو الإرادة الشرعية.
وهل للمخلوق إرادة ومشيئة؟ نعم، قال سبحانه وتعالى: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ} [(67) سورة الأنفال] وقال تعالى {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ} [(30) سورة الإنسان].
لكن إرادة المخلوق ومشيئة المخلوق مخلوقة، ومقيدة، وتابعة لمشيئة الله تعالى.
ومشيئة المخلوق قد يحصل مقتضاها، وقد لا يحصل، فقد يشاء الإنسان ما لا يكون، وقد يكون ما لا يشاء، وهذا شأن المخلوق، أمَّا الخالق فما شاءه فلا بد أن يكون، وما لا يشاؤه فلا يكون ألبتة؛ لأنه سبحانه وتعالى لا يعجزه شيء، ولا يستعصي عليه شيء فما شاء أن يفعله فعله {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا} [(44) سورة فاطر].

الصفحة 62