كتاب توضيح مقاصد العقيدة الواسطية

ومحبة الله للعبد هي فوق ما ينال من الثواب، فالمؤمنون المخلصون أولياء الله يتطلعون للفوز بهذه المحبة {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}.
والمخلوق يوصف بالمحبة، ولكن مع الفرق، فللمخلوق محبة تليق به، وتناسبه يمكن أن يُعَبَّر عنها: بميل الإنسان إلى ما يناسبه، أو ما أشبه ذلك، والله يوصف بالمحبة، وليست محبة الخالق كمحبة المخلوق، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} لكن محبة الخالق محبة حقيقية لا كما يقول المعطِّلة من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة الذين ينفون وينكرون حقيقة المحبة (¬1)، ويقولون: الله لا يُحِب، ولا تليق به صفة المحبة، ويحرفون ما جاء في النصوص، ويفسرونها: إما بالإرادة، وإما بالثواب، أو إرادة الثواب، ويقولون: يحب المقسطين، يحب المتقين ـ يعني ـ: يريد أن ينعم عليهم، أو يقولون: يحب المقسطين ـ يعني ـ: يثيبهم، فينفون عن الله حقيقة المحبة، وهذا مبنيٌّ على أصولهم الفاسدة أن إثبات هذه الصفات يستلزم التشبيه، فيقعون في التناقض، ويفرون من شيء؛ فيقعون في نظيره، أو في شر منه.
وأهل السنة والجماعة يثبتون لله كل ما أثبته لنفسه، وأثبته له رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فيدخل في ذلك إثبات المحبة لله، وأهل السنة يثبتون لله المحبة، من الجانبين فيقولون: إنه تعالى يُحِب، ويُحَب، يحب المؤمنين، والمجاهدين، والمقسطين ـ كما في الآيات ـ، ويحبه أولياؤه المؤمنون كما قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَاتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [(54) سورة المائدة] والله سبحانه يختص بمحبته من يشاء ـ كما ذكر في هذه الآيات ـ، بل إنه يفضل بعض عباده في هذه المحبة، ولهذا اتخذ من عباده من اتخذه خليلا؛
¬__________
(¬1) [مجموع الفتاوى 10/ 66].

الصفحة 64