كتاب توضيح مقاصد العقيدة الواسطية

وهذان الاسمان: الرحمن الرحيم قد جاءا في مواضع كثيرة من القرآن مقترنين كما في البسملة، وفي الآية الثانية من الفاتحة، وفي قوله تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [(163) سورة البقرة].
وجاءا مُتفرِّقَيْن فذُكِر الرحمن في مواضع وحده، والرحيم ذكر وحده، أو مع اسم آخر، فالرحيم قُرِن باسم آخر كالغفور، والرءوف، {إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [(143) سورة البقرة] {وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [(218) سورة البقرة]، وهذان الاسمان من أسماء الله الحسنى فهو الرحمن، وهو الرحيم.
والمشهور في الفرق بينهما: أن الرحمن يدل على الرحمة العامة، والرحيم يدلُّ على الرحمة الخاصة بالمؤمنين. وقال بعضهم: الرحمن ـ يعني ـ: في الدنيا، والآخرة، والرحيم ـ يعني ـ: في الآخرة. وهذا قريب من الذي قبله، والحق أنه سبحانه وتعالى الرحمن الرحيم في الدنيا، والآخرة (¬1).
وجاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:" الرحمن الرحيم اسمان رقيقان" (¬2) يعني: يدلان على الرحمة، وهي معنى فيه رِقَّة، وتقتضي الإحسان، والإنعام، والإكرام، ولا يقال: إن هذا تفسير للرحمة؛ لأنها صفة معقولة المعنى، وضد الرحمة القسوة، وضد الرحمة العذاب: {رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَا يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَا يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً} [(54) سورة الإسراء] {يُعَذِّبُُ مَن يَشَاء وَيَرْحَمُ مَن يَشَاء وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ} [(21) سورة العنكبوت].
وفرَّق ابن القيم (¬3) بين هذين الاسمين: بأن الرحمن دال على
¬__________
(¬1) [تفسير الطبري / 55].
(¬2) [رواه البيهقي في الأسماء والصفات ص 56، وضعفه ابن حجر في الفتح 13/ 359].
(¬3) [بدائع الفوائد 1/ 42].

الصفحة 67