كتاب توضيح مقاصد العقيدة الواسطية

الصفة القائمة به سبحانه، والرحيم دال على تعلقها بالمرحوم، فكان الأول: للوصف، والثاني: للفعل، فالأول: دال على أن الرحمة صفته، والثاني: دال على أنه يرحم خلقه برحمته. اهـ
والرحمة من صفاته الذاتية سبحانه تعالى فإنه لم يزل ولا يزال متصفا بالرحمة، وهو موصوف بالرحمة الفعلية التي تتعلق بها مشيئته، وهي صفة فعلية يرحم مَن يشاء، فلا يزال يرحم مَن يشاء كيف يشاء.
وقد أنكر المشركون اسمه الرحمن، فأنكر الله عليهم ذلك، وكفَّرهم قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَامُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً} [(60) سورة الفرقان] وقال تعالى: {كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِيَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ} [(30) سورة الرعد].
إذا الرحمن الرحيم اسمان من أسمائه الحسنى دالان على صفة الرحمة، وفي بعض الآيات التصريح بصفة الرحمة قال الله: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [(156) سورة الأعراف] {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا} [(7) سورة غافر] {فَاللهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [(64) سورة يوسف].
والعباد يوصفون بالرحمة، قال تعالى {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ} [(29) سورة الفتح]، وقال - صلى الله عليه وسلم -:"الراحمون يرحمهم الرحمن" (¬1). فالعباد يوصفون بالرحمة، وليس هذا من التشبيه في شيء، فللمخلوق الرحمة التي تناسبه، وللرب الرحمة التي تناسبه وتليق به،
¬__________
(¬1) [رواه أحمد 2/ 160، وأبو داود (4941)، والترمذي (1924)، وقال: حسن صحيح، والحاكم 4/ 159 وصححه، وقواه ابن تيمية في الاستقامة ص 312، وصححه الذهبي في معجم الشيوخ 1/ 23، والعراقي في الأربعين العشارية ص 125، وحسنه الحافظ ابن حجر في الإمتاع بالأربعين المتباينة بشرط السماع ص 63، وهو الحديث المسلسل بالأولية. انظر: المناهل السلسلة في الأحاديث المسلسلة ص 6 من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما].

الصفحة 68