كتاب توضيح مقاصد العقيدة الواسطية

وليست الرحمة كالرحمة، ولا الرحيم كالرحيم، فالله تعالى رحيم {وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [(9) سورة الحديد] وكذلك المخلوق يسمى رحيما كما قال الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [(128) سورة التوبة]، وليس الرؤوف كالرؤوف، ولا الرحيم كالرحيم.
فللمخلوق من هذه الأسماء، وهذه الصفات ما يناسبه وله تعالى ما يناسبه، ويليق بعظمته، وجلاله، وكبريائه.
وأهل السنة والجماعة منهجهم في هذه الصفات، وهذه الأسماء منهج واحد: إثبات ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات مع نفي التمثيل، ونفي العلم بالكيفية، وهذا معنى قول السلف: ـ في نصوص الصفات ـ " أمِرُّوها كما جاءت بلا كيف".
يعني: أمِرُّوها كما جاءت مثبتين لما تدل عليه مؤمنين بها غير محرِّفين لها، ولا مكيِّفين لما تدلُّ عليه.
فأهل السنة والجماعة يثبتون لله سبحانه وتعالى صفة الرحمة على حقيقتها، وأما أهلُ الكلام أهلُ البدع، والضلال من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة؛ فينفون حقيقية الرحمة (¬1)؛ لأنهم يقولون: إن الرحمة رِقة تعتري من قامتْ به الرحمةُ، وهذا لا يليق به سبحانه، فالرقة فيها ضَعْف.
وهذا خطأ؛ لأنه تفسير لرحمة المخلوق، فهي التي يمكن أن يعبَّر عنها بأنها رقة، وانفعال تعتري مَن قامت به، ولما توهموا من إثبات صفة الرحمة أنها مثل رحمة المخلوق نفوا حقيقة الرحمة، وفسروها أما بالإرادة؛ فقالوا: الرحمة من الله إرادة الإنعام، والإحسان على عباده، أو إن المراد بها: ما يخلقه سبحانه من النعم التي ينعم الله بها على عباده.
نعم هناك رحمة مخلوقة، لكنها غير صفة الرحمة التي هي صفة
¬__________
(¬1) [مختصر الصواعق 3/ 860 - 888].

الصفحة 69