كتاب توضيح مقاصد العقيدة الواسطية

الرب تعالى، فالرحمة تضاف إلى الله صفة له، كما في هذه الآيات: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [(156) سورة الأعراف] {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا} [(7) سورة غافر] {فَاللهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [(64) سورة يوسف]، فهذه الرحمة هي صفة الرب قائمة به، كعلمه، وسمعه.
أما الرحمة المخلوقة فأضافتها إليه كإضافة المخلوق إلى خالقه كما في الحديث الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:" إن لله مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الجن، والإنس، والبهائم، والهوام، فبها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحش على ولدها، وأخر الله تسعا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة " (¬1).
ومن الرحمة المخلوقة لله سبحانه وتعالى الجنة: {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [(107) سورة آل عمران].
إذا قلتَ: أدخلني برحمتك فهذا توسل إلى الله؛ فهذه صفة {وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [(19) سورة النمل]
، وقوله تعالى {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ} [(30) سورة الجاثية]، هذه الرحمة المخلوقة. فالرحمة المضافة لله نوعان:
صفة له سبحانه، ورحمة مخلوقة
فالأولى: إضافتها إلى الله من إضافة الصفة إلى الموصوف.
والثاني: من إضافة المخلوق إلى خالقه.
قال تعالى ـ بعد ما ذكر إنزال الغيث بعد يأس مِن العباد ـ: {فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [(50) سورة الروم]، فالمطر رحمة، ونِعَم الله هي رحمةٌ منه بعباده.
فالمقصود إن هذه الآيات دالة على إثبات ما اشتملت عليه من
¬__________
(¬1) [رواه البخاري (6000)، ومسلم (2752) واللفظ له من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -].

الصفحة 70