كتاب توضيح مقاصد العقيدة الواسطية

ـ إلى أن قال تعالى ـ وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا}
والقرآن متشابه يُصَدِّق بعضه بعضًا، ففي الآية الأولى قال: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَاتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ} هناك ظلل من الغمام وهي: السحاب الذي الله أعلم بمقدار، وبصفته، أمور غيبية لا تحيط بها عقول العباد، تنزل الأملاك بأمر الله، وتفعل ما تُؤمَر به مما يشاء سبحانه وتعالى، فالملائكة في الدنيا وفي الآخرة هم رسل الله يُوكلون بما يشاء سبحانه، ملائكة موكلون بالوحي، بالقَطْر، بقبض الأرواح، بالجبال ... بما شاء سبحانه وتعالى، ويوم القيامة يأتون ويفعلون ما يؤمرون {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}.
قال تعالى {وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِيلًا} وقال تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَاتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَاتِيَ رَبُّكَ} متى؟ يوم القيامة.
أو يأتي بعض آيات ربِّك، قد جاء تفسير هذا البعض بطلوع الشمس مِن مغربها، كما ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت من مغربها آمن الناس كلهم أجمعون فيومئذ لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا" (¬1).
فيجب إثبات ما دلت عليه هذه الآيات بأنه يجيء سبحانه وتعالى كيف شاء، لا يصلح أن يتخيل العباد كيفية مجيء الرب ونزوله سبحانه وتعالى، ولا نفكر في هذا أبدا؛ لأنه لا سبيل لعقول العباد إلى أن يتصوروا كيفية نزوله، وكيفية مجيئه سبحانه وتعالى؛ بل ينزل كيف شاء، ويجيء كيف شاء سبحانه وتعالى؛ فالعقول قاصرة عن تكييف ذاته، وصفاته، بل هي قاصرة عن تكييف بعض المخلوقات، وهي عن تكييف الرب تعالى وصفاته أعجز، وأهل السنة
¬__________
(¬1) [رواه البخاري (4635)، ومسلم (157) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -].

الصفحة 77