كتاب توضيح مقاصد العقيدة الواسطية

والجماعة يثبتون ذلك، ويؤمنون به، ويعلمون أنه تعالى سيأتي يوم القيامة للفصل بين عباده، والحكم بينهم ليجزي العاملين بأعمالهم إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، في ذلك اليوم الذي هو يوم الدين.
وأما المعطلة للصفات من الجهمية، والمعتزلة، ومن تبعهم من نفاة الأفعال الاختيارية، فلا يثبتون ما جاء في هذه الآيات (¬1)، فإن المجيء، والإتيان من الأفعال الاختيارية التي تكون بمشيئته سبحانه، وعند هؤلاء النفاة إثبات ذلك يستلزم حلول الحوادث في ذات الرب سبحانه، وهو ممتنع عندهم. وحلول الحوادث من الألفاظ المحدثة التي لم يأت بها كتاب، ولا سنة، وهو لفظ مجمل يحتمل حقا، وباطلا، فإن أريد بنفيه أنه تعالى لا يحل في ذاته شيء من مخلوقاته؛ فهو حق، وإن أريد نفي قيام الأفعال الاختيارية بذاته؛ فهو باطل؛ لأنه تعالى أخبر أنه {فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ} [(16) سورة البروج]، وأنه {يَفْعَلُ مَا يَشَاء} [(18) سورة الحج]، وأخبر عن بعض أفعاله كاستوائه على عرشه، ونزوله، ومجيئه، فوجب الإيمان بما أخبر به تعالى عن نفسه، فإنه أعلم بنفسه.
ومن يفعل أكمل ممن لا يفعل، فلذلك أجرى أهل السنة هذه النصوص على ظاهرها، وأثبتوا ما دلت عليه بلا كيف.
وأما النفاة فمنهم: من يفوض معانيها فلا يفهمها، ولا يفسرها.
ومنهم: من يفسرها بخلاف ظاهرها كقولهم: {وَجَاء رَبُّكَ} [(22) سورة الفجر] معناه: وجاء أمر ربك، فيجمعون بين التعطيل، والتحريف، فظاهر النصوص عند هؤلاء كفر وباطل؛ فيجب فيها: إما التفويض، وإما التأويل. وكفى بهذا ضلالا عن سواء السبيل.
والإيمان باليوم الآخر، وما يكون فيه من مجيء الله والأملاك؛
¬__________
(¬1) [مختصر الصواعق 3/ 847 - 848 و 856 - 860].

الصفحة 78