كتاب توضيح مقاصد العقيدة الواسطية

بقُدْرَتَيَّ على زعمهم، وهذا يرده أن الله تعالى له قدرة، ولا يقال: لله قدرتان. بل قدرة تامة لا يعجزها، ولا يستعصي عليها شيء.
ونِعَمُهُ تعالى ليستْ نعمتين، بل نِعمٌ كثيرة لا تحصى.
ولو كان معنى قوله تعالى {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} يعني: بقدرَتِيْ لما كان لآدم خصوصية، فآدم كغيره، الكل مخلوق بقدرته سبحانه وتعالى.
وهكذا يتأولون العينين بنفس البصر، أو الرؤية ـ عند من يثبتها ـ كالأشاعرة يثبتون البصر، والرؤية؛ لأنها بمعناهما، أو قريبة من معناهما، ولكنهم لا يثبتون العينين له سبحانه، وأمَّا أهل السنة فمجمعون على إثبات هذه الصفات، وقد دل على إثبات هذه الصفات الكتاب، والسُنة، والإجماع.
قال سبحانه وتعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ}
يخبر سبحانه وتعالى أن كل ما على هذه الأرض سيفنى، ويذهب: من نبات، وحيوان، ثم يبعث الله الموتى من قبورهم بعدما يفنيهم جميعًا {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ}، وهكذا قوله {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ} كل شيء هالك، وذاهب، وميت: الإنس، والجن، والملائكة الكل {إِلَّا وَجْهَهُ} سبحانه وتعالى، وتَدُلُ هاتان الآيتان على إثبات الوجه له تعالى، وتدل على بقائه، فهو سبحانه وتعالى الباقي الذي لا يفنى كما يفنى غيره، له البقاء والدوام، فهو الأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء، فلا يجوز عليه الفناء، ولا يجوز عليه الموت هو الحي الذي لا يموت، والقوي الذي لا يَضعُف والقدير الذي لا يعجز سبحانه وتعالى.
وليس لقائل أن يقول في قوله {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} إن الآية إنما تدل على بقاء الوجه، فتحتاج إلى تأويل كما توهم هذا بعضهم، فلا يتوهم هذا إلا جاهل بدلالات الكلام، فكل عاقل يعرف أساليب الكلام، ولا سيما اللغة العربية يُدرك أن قوله {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ}

الصفحة 82