كتاب طبقات القراء السبعة وذكر مناقبهم وقراءاتهم

مناهجها ومدارجها، فكم للمعنى بترتيبها المتكلف لإتقانها وتهذيبها من أجر مكتوب غير محسوب، اقتفاء للآثار، وترتيلا مطولا للكلم القصار، لا هذّا كهذّ الأشعار، وقد ثبت أن قراءته صلى الله عليه وسلم كانت بالترجيع والمدّ (¬1)، وأن حديثه كان لا يعجله عن الإفهام والعدّ (¬2)، فمن ذا الذي يطلع رأسه للردّ، أو يتعرض لتعدي الحدّ، أو يرى تمره كبير الدقل في الصاع والمدّ.
وأحب صلى الله عليه وسلم أن يسمعه من سواه، وقال له: «حسبك»، وقد ذرفت عيناه (¬3). وقال لأبي موسى وقد ركب في قراءته ذلك المنهج المحمود: «لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود» (¬4).
وقال صلى الله عليه وسلم: «لا حسد إلا في اثنتين، رجل علّمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وأطراف النهار، فسمعه جار له فقال: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل؛ ورجل آتاه الله مالا فهو يهلكه في الحقّ، فقال رجل:
ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل» (¬5).
وروى أبو عبد الرحمن السلمي، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه (¬6) [عن النبي صلى الله عليه وسلم] (¬7)، قال: «خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه».
¬__________
(¬1) تقدم تخريجه (ص/ 27).
(¬2) روي في هذا المعنى أحاديث كثيرة في «الصحيحين» وغيرهما، منها: ما أخرجه البخارى (3567)، ومسلم (3942)، عن عائشة رضي الله عنها: «أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يحدّث حديثا لو عدّه العادّ لأحصاه».
وأخرجه أبو يعلى (4393) عنها، بلفظ: «ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرد الحديث كسردكم، إنّما كان حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلا تفهمه القلوب».
(¬3) أخرجه البخاري (5050)، ومسلم (800)، والترمذي (3025)، والنسائي في «الكبرى» (8078) وابن أبي شيبة (10/ 563)، وأحمد (1/ 380، 433)، وأبو يعلى (5069، 5128)، وابن حبان (7065)، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
(¬4) أخرجه البخاري (5048)، ومسلم (793)، والترمذي (3855)، من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
(¬5) أخرجه بهذا اللفظ البخاري (5026)، من حديث أبي هريرة، وقد تقدم بيان طرقه (ص/ 21) تعليق (2).
(¬6) في الأصل: (عنهما)، والمثبت من مصادر التخريج.
(¬7) زيادة من مصادر التخريج؛ لأن الحديث مرفوع كما تقدم (ص/ 21) تعليق (1).

الصفحة 38