كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

قالوا: غدا العيدُ ماذا أنت لابسُه؟ ... فقلتُ: خلعةَ ساقٍ حِبَّه جُرَعا (¬١)
فقرٌ وصبرٌ هما ثوبان تحتهما ... قلبٌ يرى إلفَه الأعيادَ والجُمَعا (¬٢)
الدهر لي مأتمٌ إن غبتَ يا أملي ... والعيدُ مادمتَ لي مرأى ومستمَعا (¬٣)
* وسئل ابن الجلّاءِ (¬٤): متى يستحقّ الفقير اسمَ الفقر؟ فقال: "إذا لم يبقَ عليه بقيّةٌ منه". فقيل له: كيف ذلك؟ فقال: "إذا كان له فليس له، وإذا لم يكن له فهو له" (¬٥).
قلت: معنى هذا أنّه لا يبقَى عليه بقيّة من نفسه، فإذا كان لنفسه فليس لها، بل قد أضاع حقَّها، وضيَّع سعادتَها وكمالَها. وإذا لم يكن لنفسه، بل كان كلُّه لربّه، فقد أحرز كلَّ حظٍّ له، وحصّل لنفسه سعادتَها. فإنه إذا كان للَّه كان اللَّه له، وإذا لم يكن للَّه لم يكن اللَّه له، فكيف تكون نفسه له؟ فهذا من الذين خسروا أنفسهم.
* وقيل: "حقيقة الفقر أن لا يستغني الفقيُر في فقره بشيء إلّا بمن إليه فقرُه" (¬٦).
* وقال أبو حفص (¬٧): "أحسنُ ما توسّل به العبدُ إلى مولاه دوامُ الفقر
---------------
(¬١) الحلية: أتى العيد. العوارف: "عبدَه الجرعا".
(¬٢) العوارف: "يرى ربه".
(¬٣) في الحلية والقشيرية: "ما كنت لي".
(¬٤) أبو عبد اللَّه أحمد بن يحيى، أصله من بغداد، أقام بالرملة ودمشق، وكان من كبار مشايخ الشام. طبقات الصوفية (١٧٦).
(¬٥) القشيرية (٢٧٥).
(¬٦) المصدر السابق.
(¬٧) قد سبق آنفًا قول آخر لأبي حفص.

الصفحة 100