كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

من هذه؟
فالصوابُ أن يقال: الفقيرُ هو الذي حاجاته إلى اللَّه بعدد أنفاسه أو أكثر، فالعبدُ له في كلِّ نفس ولحظة وطرفة عين عدَّةُ حوائج إلى اللَّه لا يشعر بكثيرٍ منها، فأفقر النَّاسِ إلى اللَّه من شعر بهذه الحاجات وطلَبها من معدنها بطريقها. وإن كان لا بُدَّ من إطلاق تلك العبارة -على أنَّ منها كلَّ بدّ! - فيقال: هو الذي لا حاجة له إلى اللَّه تُخالِف مرضاتَه وتحطُّه عن مقام العبودية إلى منزلة الاستغناء. وأمَّا أن يقال: لا حاجة له إلى اللَّه، فشطح قبيح.
وأمَّا حملُ أبي القاسم لكلامه على إسقاط المطالبات وانتفاء الاختيار والرضى بمجاري الأقدار، فإنَّما يحسن في بعض الحالات، وهو في القدَر الذي يجري عليه بغير اختياره ولا يكون مأمورًا بدفعه ومنازعته بقدَرٍ آخر كما تقدم (¬١). وأمَّا إذا كان مأمورًا بدفعه ومنازعته بقدَر هو أحبُّ إلى اللَّه منه، وهو مأمور به أمرَ إيجابٍ أو استحباب، فإسقاطُ المطالبات وانتفاءُ الاختيار فيه والسعي عينُ العجز، واللَّه تعالى يلوم على العجز.
* وقال ابن خفيف (¬٢): "الفقرُ عدمُ الأملاك، والخروجُ عن أحكام الصفات" (¬٣).
---------------
(¬١) انظر: ص (٧٧).
(¬٢) أبو عبد اللَّه محمد بن خفيف الشيرازي المتوفى سنة (٣٧١ هـ) كان شيخ المشايخ في وقته. طبقات الصوفية (٦٤٢).
(¬٣) القشيرية (٢٧٧).

الصفحة 103