كتاب طريق الهجرتين وباب السعادتين - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

ويستوحش ممَّا يأنسون به، متفرد (¬١) في طريق طلبه، لا تقيده الرسوم، ولا تملكه العوائد (¬٢)، ولا يفرح بموجود، ولا يأسف على مفقود.
من جالسه قرَّت عينه به، ومن رآهُ ذكَّرتْه رؤيتُه باللَّه. قد حملَ كَلَّه ومُؤنته عن النَّاسِ، واحتمل أذاهم، وكفَّ (¬٣) أذاه عنهم. وبذلَ لهم نصيحته، وسبَّل لهم عِرْضه ونفسه لا لمعاوضة ولا لذلَّة وعجز. لا يدخلُ فيما لا يعنيه، ولا يبخلُ بما لا ينقصه.
وصفه الصدق والعفَّة والإيثار والتواضع والحلم والوقار والاحتمال. لا يتوقع لما يبذله للنَّاسِ منهم عوضًا (¬٤)، ولا مدحة. لا يعاتِب، ولا يخاصم، ولا يطالِب، ولا يرى له على أحدٍ حقًّا، ولا يرى له على أحدٍ فضلًا.
مقبلٌ على شأنه، مكرمٌ لإخوانه، بخيل بزمانه، حافظ للسانه، مسافرٌ في ليله ونهاره، ويقظته ومنامه، لا يضغ عصا السيرِ عن عاتقه حتَّى يصل إلى مطلبه.
قد رُفِعَ له عَلَمُ الحبِّ، فشمَّرَ إليه، وناداهُ داعي الاشتياق، فأقبل بكلّيته عليه. أجابَ منادي المحبة إذ دعاه: حيَّ على الفلاح، وواصل السُّرى (¬٥) في بيداءِ الطلب، فحمِد عند الوصول مسراه (¬٦)، وإنَّما يحمد
---------------
(¬١) "ك، ط": "منفرد".
(¬٢) "ك، ط": "الفوائد"، تحريف.
(¬٣) "ك": "بكف أذاه".
(¬٤) "ط": "عوضًا منهم".
(¬٥) "ك": "وصل السير". "ط": "وصل السرى".
(¬٦) "ط": "سراه".

الصفحة 107